حباً بالحرية.. وحباً بالوطن..

بعدما شهدته الساحة الإعلامية السورية من انفتاح ولو صغير أنعش الإعلام وأعطاه دفعاً وحراكاً واضحاً ومكشوفاً و«محبباً» وساهم بالوقت ذاته بوضع بعض النقاط على القليل القليل من الحروف في مسيرة الإعلام.
والحقيقة إننا بتنا نقرأ أسماء كثيرة بدأت تسطع على الساحة النقدية وكذلك نلحظ أقلاماً جريئة دغدغت قلب الحقيقة التي آلمتنا ولكن لم نستطع البوح بتفاصيل مكوناتها. ‏
هامش من الحرية (النقدية) سُمح لنا به عبر إشارات منها واضح وعلني وآخر غير مباشر، ما يهمنا ويعنينا هو المناخ الحواري الذي يتم التأسيس له عبر النقد للوصول الى أجواء حوارية كشفية تحاول تلمس المشكلات ووضع الحلول المناسبة لها أو الإيحاء بها. ‏
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كل المقالات والكتابات الأخرى تنال الإعلام بهذا الحجم...؟! ‏
هل لخصوصية الإعلام في الكشف وعلانية حاله وأحواله، أم للفهم العميق لدور الإعلام في أي مجتمع بالريادة والقيادة، أم لتخمة أبنائه من مثالبه وتراكماته وترهلاته. ‏
لابد وأن كل ما سبق مجتمعاً إضافة الى الكثير من الأسباب هي التي تجعل الإعلام السوري في دائرة النقد بهذه الحدّة والمكاشفة. ‏
أقلام كثيرة كتبت «وستكتب» بجرأة، وصفها البعض بأنها بعيدة عن صياغات وأساليب وأخلاقيات الإعلام والبعيدة عن الموضوعية والاتزان.. وأقلام أخرى كتبت ضمن هذا الوصف والملاحظات. ‏
في الحقيقة، النقد يأخذ أشكالاً متعددة منها ما يكون «شخصياً» لاسيما عندما يكون هذا الشخص في موقع حسّـاس ومهم، وهنا نقول: إن شخصية المدير «الإدارية» لا تنفصل ولا تبتعد كثيراً عن شخصيته «الاجتماعية» ويجب أصلاً ألا تبتعد فالإدارة في جزء من تعريفها هي عادة لصيقة بشخصية المدير وكذلك هي قدرة المدير على تجنب كسب عادات سيئة موجودة في المؤسسة، وقدرته على مقاومة التأثيرات السلبية المتأتية من الآخرين المحيطين، إذاً الإدارة بشكل أو بآخر هي انبعاث داخلي «عقلي ونفسي» يؤثر في مجموعة القرارات التي تؤثر فيها سلباً وإيجاباً المهارة الفردية والموهبة الشخصية للمدير والتي تتجلى تأثيراتها في قراراته العادلة والناضجة والقارئة والمستقرئة لواقع المؤسسة وأهدافها والعكس صحيح، وهذا الشكل من أشكال النقد وإن كان واقعاً فلا يجب أن تغيب عنه الحقيقة والمصداقية، ولا تتغلب عليه الثارات الشخصية. ‏
أما الشكل الآخر للنقد والذي يتناول الحالة كما هي، بعيدة عن الشخوص والأشخاص وإنما تصورها كواقع يجب الانتباه إليه وتعريته والكشف عن ثغراته والعمل على توجيه العمل فيها لسدّها وتلافيها.. وبكلا الشكلين النقد يستهدف الأشخاص، لكن الأول بعلانية، أما الثاني بضمنية المقصود فيها توجيه عمل المعنيين الى الأفضل «لأن نتاج أي مؤسسة مبني على أساس العنصر البشري بما يتضمنه من عقل وأخلاق وجهد». ‏
فالمطلوب إذاً منّا كمستثمرين لهذا المناخ الوليد؛ أن نعمل جاهدين لنصل الى الهدف الأقوى والطموح والأسمى هو الارتقاء بواقع الإعلام السوري كموجه ومرب وقائد للمجتمع السوري عبر النقد الهادف والبنّاء الذي يبتعد عن الثأر الشخصي وكذلك و«الأهم» يبتعد عن الدفاع عمّن يوجه إليهم النقد ولاسيما عندما تكون الحالة المنتقدة واضحة بأخطائها ولا مجال للدفاع عنها إلا بمبررات قد تُقرأ «مصالح شخصية» لا تقدم لمسيرة تطور الإعلام السوري شيئاً سوى إضعافه وإغراقه بتفاصيل صغيرة جداً لا تشكل بمجملها نقطة مضيئة فيه. ‏
ما تقدم ذكره لا يمنعنا من القول: إن أجواء الحرية التي نعيشها هذه الأيام بفضل النقد لابدّ وأن تترافق بل وتتضمن عقلاً متفتحاً ومنفتحاً يتقبل هذا النقد ويرضاه ويعمل به ويسترشد بأفكاره إن لامست الحقيقة، ولابدّ أن تؤخذ جميع الكتابات على محمل الجد لخدمة العمل وتفعيله وتلافي الأخطاء الموجودة فيه وليس خدمة لتلافي الناقد وحصره وكذلك الانشغال بشخصه لا بأفكاره!!! ‏
ما نأمله ممن ينالهم النقد بطريقة أو بأخرى رحابة الصدر والاحتواء «لأنكم في جزء من شخصيتكم الإدارية آباءٌ لنا وأخوة» والتعاطي مع الحالة الجديدة بهدوء واستيعاب كبيرين لا بل بتعقّل كبير خدمة لكم وللعمل والتعامل مع «فشّـات الخلق» المتكررة ­والتي في كثير من الأحيان تلامس حقائق مستورة­ بروح مرنة وذهنية إعلامية في جزء من تكوينها تقبل الرأي الآخر. ‏
نأمل هذا ولاسيما أننا نعلم جميعاً أن هذه المرحلة لا تقبل الخطأ ولا تتستر عليه وتحديداً في الإعلام. ‏
وبالمقابل نأمل ممن يمسك قلمه ليكتب منتقداً ومصوّراً لحال من الأحوال أن يعي المسؤولية التي حمّلتنا إياها هذه الحرية والتي سمحت لنا بالمشاركة الى حدّ ما بصنع القرار في مؤسساتنا ­«إذا ما أُخذ بها»­ ونأمل احترامها وعدم العبث بها لنساهم في تنمية هذا الوليد المدلل ليمسي ناضجاً متعقلاً يأخذ بنا وبيدنا لبناء الوطن وخدمته، وهذا لا يتم إلا بإدراك قيمتها وضرورتها لمجتمعنا في مسيرته التطويرية والتحديثية.
فلننتقد جميعاً كل الأخطاء وليتعاون معنا من يقع في دائرة الانتقاد حبّاً بالحرية وحبّاً بالوطن. ‏

‏ 6/1/2005

جربدة تشرين

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon