سعت بلدان العالم، ولاسيما المتقدمة منها، للتأكيد على الحرية ودورها وتأثيرها في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. وكان تأثير ذلك واضحاً في الصحافة والطباعة ووسائل الاعلام المختلفة، وتسعى الدول النامية، وبغية تطوير وتفعيل هذه الوسائل لإصدار قوانين تُحدد الإطار النظري والقانوني لعمل هذه الوسائل بما يكفل القيام بدورها في مقاربة الواقع، والسعي لتطويره وزيادة تأثيره وفعاليته.. لأن زيادة انتشار الطباعة والكتب والمطبوعات يُعد مؤشراً لتقدم المجتمعات، ويكتسب هذا المؤشر أهميته من مضامين ومحتويات عمليات النشر والطباعة، وتُشكّل قوانين المطبوعات الصادرة في سورية المرجعية في تحديد اطار هذه الحرية وفضائها الحقيقي، حيث صدر في عام 1949 القانون 53 للمطبوعات في محاولة من المشرّع لرسم ملامح العمل الصحفي ووسائل الطباعة والنشر ودورهما الاقتصادي والاجتماعي في مسيرة التنمية.. ونظراً لمحدودية هذا القانون كان لابدّ من صدور قانون جديد للمطبوعات، حيث صدر القانون 50 لعام 2001.
التشابه في الأحكام العامة.. القانون الجديد للمطبوعات رقم 50 تاريخ 22/9/2001، يتشابه مع قانون المطبوعات رقم 53 عام 1949 في احكامه العامة، من حيث تحديد الوزارة والمطبعة وصاحبها والمطبوعة والنشر والتوزيع والمكتبة والمسؤولية المترتبة على وسائل الطباعة والمكتبات.. كما يتشابهان في تحديد عمل المطابع ومسؤولية صاحبها ومديرها المسؤول وشروط النشر.. وعمل الصحفيين المراسلين، والاشياء المحظر نشرها والتصحيح والرد وكيفية تعليق المطبوعات او حملها وتوزيعها وتنظيم الاشتراكات والاعلانات الرسمية، واذا كانت الاحكام العامة والمواضيع الاخرى المتشابهة في القانونين تحتاج الى البحث والدراسة وضرورة وجود أسس جديدة لهذه الاحكام وتحديد طرق النشر ووسائلها وعمل المكتبات والمطبوعات على ضوء التطور التقني ووسائل الاتصال الجديدة.. الا ان جرائم المطبوعات واصول المحاكمات والعقوبات الواردة في القانون الجديد رقم 50 لعام 2001، تُثير اسئلة كثيرة تتعلق بجدوى اصدار قانون جديد للمطبوعات، اذا كانت احكامه اكثر تشدداً وقسوةً من القانون السابق، ومايترك ذلك من انعكاسات سلبية على عمل الصحفي ووسائل الاعلام المختلفة في مقاربة المواضيع الاكثر حساسيةً وتأثيراً على حياة الفرد والمجتمع.
مضاعفة العقوبات: عاقبت المادة 43 من قانون المطبوعات 50 لعام 2001، على المخالفات المرتكبة والمشمولة بالباب الاول من هذا المرسوم بالحبس من عشرة ايام حتى ثلاثة اشهر، وبالغرامة من عشرة آلاف ليرة سورية حتى خمسين الف ليرة سورية، او بإحدى هاتين العقوبتين، ويشمل الباب الاول عمل المطابع والمكتبات.. بينما كانت العقوبة في القانون 53 عام 1949 الحبس حتى ثلاثة اشهر وبالغرامة حتى خمسمئة ليرة سورية او بإحدى هاتين العقوبتين.. ومن الملاحظ ان الغرامة في حدها الاعلى قد تضاعفت في القانون الجديد الى مئة مرة وفق المادة 54 من القانون.. كما عاقبت المادة 44 من القانون 50 لعام 2001 بالحبس من عشرة ايام حتى ثلاثة اشهر، وبالغرامة من عشرة آلاف ليرة سورية حتى خمسين الف ليرة سورية او باحدى هاتين العقوبتين، وتشمل العقوبة صاحب المطبوعة ومديرها المسؤول ورئيس التحرير والمسؤول عن طباعتها في حال صدورها قبل اعطاء الرخصة، وبمصادرة المطبوعة فوراً بأمر من الجهة الادارية..تطبق العقوبة السابقة ذاتها في حال اصدار المطبوعة، وهي موقوفة لأحد الاسباب المذكورة في القانون 50 لعام 2001 علماً بأن الغرامة الواردة في نص القانون السابق 53/1949 هي الغرامة خمسمئة ليرة في حدها الاعلى.. وبالتالي فإن القانون الجديد للمطبوعات قد ضاعف المخالفة، الغرامة الى مئة مرة بالقياس الى القانون القديم. وقد فرض القانون الجديد الغرامة من عشرة آلاف الى عشرين ألف ليرة سورية على المسؤولين عن كل مطبوعة دورية في حال اغفال اسم صاحب المطبوعة، او اسم الشركة او اسم المدير المسؤول ورئيس التحرير او تاريخ صدور المطبوعة او سعر كل نسخة في رأس العدد المعد للبيع ومواقيت صدور المطبوعة ومنهجها، بينما كانت الغرامة في حدها الاقصى مئتي ليرة سورية في المادة 55 من القانون 53/1949.
إخفاء الدفاتر التجارية.. او الامتناع عن تنظيمها: اوجبت المادة 45 من القانون الجديد الحبس من سنة الى ثلاث سنوات والغرامة من خمسين ألفاً الى مئة ألف ليرة سورية في حال إخفاء الدفاتر التجارية من قبل صاحب المطبوعة، او في حال الامتناع عن تنظيمها.. وكذلك كل تحريف او تزوير او تلاعب في هذه الدفاتر تطبق عليه عقوبة التزوير في الاوراق الخاصة المنصوص عنها في المادة 460 من قانون العقوبات. بينما عاقبت المادة 56 من القانون القديم بالحبس حتى ثلاث سنوات وبالغرامة حتى ألف ليرة سورية، ويتحدد الفرق مابين المادتين والقانونين بما يلي: يضع القانون الجديد حداً ادنى لعقوبة الحبس بالمادة 45، سنة في حدها الادنى وثلاث سنوات في حدها الاعلى.. بينما المادة 56 بالقانون القديم تنص على عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات في حدها الاعلى.. وبالتالي فإن القانون الجديد لا يسمح ان تكون العقوبة اقل من سنة في حال اخفاء الدفاتر التجارية او الامتناع عن تنظيمها.. بينما القانون القديم كان يُجيز ان تكون العقوبة في حدها الادنى عشرة ايام.. لأن العقوبات الجنحية وفق احكام المادة 51 من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي 148 لعام 1949.. تتراوح مابين عشرة ايام وثلاث سنوات.. وبالتالي لم يحافظ المشرّع على الصياغة الواردة في نص القانون القديم نظراً لشدة العقوبة في حدها الادنى بالقانون الجديد.
المخالفات المتعلقة بنشر الرد: اوجبت المادة 46 من القانون الجديد فرض غرامة من خمسين ألفاً الى مئة ألف ليرة سورية.. فيما يتعلق بالمخالفات المتعلقة بنشر الرد او التصحيح وتفرض الغرامة على المسؤولين عن المطبوعة.. بينما كانت الغرامة لا تتجاوز الالف وخمسمئة ليرة بالمادة 59 من القانون القديم.
نزع الإعلانات الرسمية: عاقبت المادة 47 من القانون الجديد على جرائم نزع الاعلانات الرسمية بالعقوبة المناسبة وفق قانون العقوبات، وهذا النص يتماثل مع نص المادة 61 من القانون القديم.. إلا ان النص القديم يحدد نص المادة 380 من قانون العقوبات الواجب تطبيقها على جرائم نزع الاعلانات وبالتالي فإن النص القديم اكثر وضوحاً وتحديداً من النص الجديد.
نصوص غير واضحة وغير محددة: اورد قانون المطبوعات القديم عدداً من النصوص المبهمة وغير المحددة فالمادة 62 منه عاقبت على كل مخالفة لاحكام الفصلين: الاول والثاني من الباب الثالث بغرامة حدها الاقصى مئة ليرة وبالحبس لمدة لا تتجاوز الخمسة عشر يوماً.. او بإحدى هاتين العقوبتين.. ولقد اوردت المادة 48 من قانون المطبوعات الجديد النص ذاته، مع تشديد العقوبة والغرامة، حيث اوجبت الحبس من عشرة ايام الى شهر وبغرامة من خمسة عشر ألفاً الى خمسة وعشرين ألف ليرة سورية او بإحدى هاتين العقوبتين. علماً بأن القانون يمكن ان يكون اكثر وضوحاً في تحديد مضمون الفصلين الاول والثاني من الباب الثالث.. ولا توجد اية مبررات لتشديد العقوبة الى ضعفها بالنسبة للحبس والى مضاعفة الغرامة الى مئتين وخمسين مرةً عن العقوبة الواردة في القانون القديم في حدها الاقصى.
الذم والقدح والتحقير عاقبت الفقرةآ من المادة 49 من قانون المطبوعات الجديد على جرائم القدح والذم والتحقير بوساطة المطبوعات بالحبس من شهرين الى سنة، وبالغرامة من مئة ألف الى مئتي ألف ليرة سورية.. بينما عاقبت المادة 63 من القانون القديم على جرائم القدح والذم والتحقير وفق النصوص الواردة في قانون العقوبات.. ولقد حدد قانون العقوبات عقوبات جرائم القدح والذم والتحقير من المادة 375 الى المادة 379 من المرسوم التشريعي 148 عام 1949.. فالعقوبة بالقانون السابق لا تتجاوز عشرة ايام حبس والغرامة مئة ليرة سورية.. بينما جاء النص الجديد لقانون المطبوعات مشدداً بالحبس لمدة شهرين وبالغرامة مئة الف في حدها الادنى وبالحبس لمدة سنة والغرامة تصل الى مئتي ألف ليرة سورية في حدها الاعلى. فهل من المعقول والمنطقي ان تتضاعف عقوبة الحبس لهذه الدرجة وبمضاعفة الغرامة الى ألف مرة في حدها الاعلى كما جاء في قانون المطبوعات الجديد.
المطبوعات والافتراء: يتماثل قانون المطبوعات الجديد مع القديم في العقوبة على جرائم الافتراء بوساطة المطبوعات.
المطبوعات.. والتعرض للآداب العامة: تتفق العقوبات الواردة في قانون المطبوعات الجديد مع القديم على جرائم التعرض للآداب والاخلاق العامة بوساطة المطبوعات.. او توزيع النشرات او الرسوم والصور والافلام والاشارات، وذلك بالرجوع للمواد 517-518-519 من قانون العقوبات، وذلك بالحبس من ثلاثة اشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من ثلاثين الى ثلاثمئة ليرة سورية.
جرائم نشر أخبار غير صحيحة: عاقبت الفقرةآ من المادة 51 من قانون المطبوعات الجديد 50/2001 على نشر او نقل اخبار غير صحيحة او مزوّرة منسوبة للآخر كذباً بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات، وبالغرامة من خمسمئة ألف الى مليون ليرة سورية او بإحدى هاتين العقوبتين. وأوجب النص المذكور الحكم بالحد الاقصى للعقوبة والغرامة في الحالات التالية: «اذا تم النشر او النقل عن سوء نية او سبب اقلاقاً للراحة العامة او تعكيراً للصلات الدولية، او نال من هيبة الدولة او مسّ كرامتها او مسّ الوحدة الوطنية او معنويات الجيش والقوات المسلحة او ألحق ضرراً بالاقتصاد الوطني وسلامة النقد» كما اوجبت الفقرة ب من المادة المذكورة على فرض العقوبة ذاتها في حال النشر اكثر من مرة حول موضوع واحد اخباراً او مقالات متناقضة، من شأنها إلحاق الاذى بشخص طبيعي او اعتباري لقاء حصوله على مال او كسب غير مشروع.. وبالرجوع الى المادة 65 من القانون القديم للمطبوعات رقم 53/1949 تبيّن معاقبته للجرائم المذكورة ذاتها بالحبس حتى سنة، وبالغرامة حتى ألف ليرة سورية او بإحدى هاتين العقوبتين. وبالتالي.. فإن قانون المطبوعات الجديد قد ضاعف عقوبة الحبس الى ثلاثة اضعافها كما ضاعف الغرامة في حدها الاعلى الى ألف مرة عن القانون القديم، وهذا النص يُثير عدداً كبيراً من الاسئلة نذكر منها: 1- إن متابعة الصحفي للشأن العام وكشفه لملامح الخلل والقصور في دوائر ومؤسسات الدولة لابد ان يتناول بعض المسؤولين عن هذا الخلل والقصور.. وبالتالي قد يقع الصحفي تحت وطأة الدعاوى الكيدية من هؤلاء الاشخاص المستفيدين من هذا الخلل.. فهل العقوبات الواردة في نص المادة 51 من قانون المطبوعات الجديد.. جاءت لتوسيع حماية الصحفي ام للحدّ من دوره؟.. وهو يدافع عن الصالح العام، والاشارة الى الخلل والقصور؟؟. 2- إن كل حالة من الحالات المذكورة في نص المادة 51 من قانون المطبوعات الجديد تُشكل موضوعاً للنقد ومقاربة الصحفي لها او للفضاء المحيط بها، فإذا كانت النية والجرأة لدى الصحفي في الكتابة عنها، فإنه من الطبيعي ان يتضرر من هذا النقد بعض المستفيدين من سرقة ونهب الدولة ومؤسساتها المختلفة.. لكن الصحفي سيبقى خائفاً ومتردداً في نشر هذه المواضيع او متابعتها بسبب جسامة العقوبات التي تناله شخصياً من اجل القضايا والمواضيع العامة. 3- ماهي المبررات والاسباب لمضاعفة العقوبات والغرامات لهذا الحد من الجسامة؟.. وهل تضاعف دخل المواطن في سورية ألف مرة في الفترة الواقعة مابين صدور القانونين؟!.
التحريض بوساطة المطبوعات: التحريض على ارتكاب الجرائم بوساطة المطبوعات الموزعة او المبيعة او المعدة للبيع او المعروضة في المحال، والتجمعات العامة او بوساطة الاعلانات المعلقة في الطرقات يُعاقب عليه بالمادة 52 من قانون المطبوعات رقم 50 لعام 2001، واذا انتج هذا التحريض مباشرةً شروعاً بارتكاب جريمة، يعاقب بالعقوبة التي تفرض على الشريك في الجرم المذكور. وعاقبت الفقرة ب من المادة المذكورة على جرائم الحض على القتل والسلب والنهب والاحراق المرتكبة بوساطة المطبوعات بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات، وبالغرامة من مئة ألف الى مئتي ألف ليرة سورية. علماً بان العقوبة في قانون المطبوعات القديم لا تتجاوز الحبس حتى سنة والغرامة حتى ألف ليرة سورية، وبالتالي تمت مضاعفة العقوبة بالحبس الى ثلاث مرات وألا تقل عن ستة اشهر، وذلك خلافاً للنص القديم الذي يسمح بان تكون العقوبة لمدة عشرة ايام، وتضاعفت الغرامة من مئة الى مئتي مرة من النص السابق. وعاقبت المادة 53 من قانون المطبوعات 50 لعام 2001 على تحريض افراد القوات المسلحة بالامتناع عن القيام بواجباتهم العسكرية، او اطاعة رؤسائهم حسب القانون والانظمة بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات، وبالغرامة من خمسمئة ألف الى مليون ليرة سورية.. والفرق مابين النص القديم والجديد ان النص القديم سمح بالعقوبة والحبس من عشرة ايام حتى ثلاث سنوات خلافاً للنص الجديد، حيث لا تقل عقوبة الحبس عن سنة، كما ان الغرامة تضاعفت من مئتين وخمسين مرةً الى خمسمئة مرة.
التهديد بوساطة المطبوعات: عاقب القانون الجديد رقم 50 لعام 2001 بالمادة 54 على جرائم التهديد بوساطة المطبوعات او الاعلانات او بأية صورة من الصور بفضح امر شخص من الاشخاص او افشائه الاخبار عنه، وذلك وفق قانون العقوبات. وهذا النص يتماثل مع نص المادة 67 من قانون المطبوعات القديم.
الاتصال بالجهات الاجنبية: الاتصال بالدول الاجنبية وتقاضي اموال منها او من ممثليها او عملائها لقاء الدعاية لها ولمشاريعها عن طريق المطبوعات يُعاقب عليها بالفقرة أ من المادة 55 من قانون المطبوعات الجديد بالحبس من ستة اشهر الى سنتين، وبغرامة من خمسين ألفاً الى مئة ألف ليرة سورية. كما عاقبت الفقرة ب من المادة المذكورة كل من قبض بصورة مباشرة او غير مباشرة اموالاً من شركات او مؤسسات اجنبية بغية الدعاية لها ولمشاريعها في سورية عن طريق المطبوعات بالحبس من ستة اشهر حتى السنة، وبغرامة تساوي ضعفي المبالغ المقبوضة اذا ثبت ان المبالغ المقبوضة كانت اجوراً لإعلانات عادية نشرها في الصحيفة بالاسعار التي يفرضها العرف الصحفي او القانون وبإعلامه المؤسسة العربية للاعلان.
عقوبات محددة لجرائم غير محددة: اوجبت الفقرة أ من المادة 56 من قانون المطبوعات 50 لعام 2001 فرض العقوبات الواردة في قانون العقوبات على الجرائم المرتكبة بوساطة المطبوعات، واوجبت الفقرة ب من المادة المذكورة فرض غرامة من ثلاثة آلاف ليرة الى عشرة آلاف ليرة سورية على كل مخالفة اخرى لاحكام المواد التي لم تفرض بشأنها عقوبات خاصة. علماً بأن الغرامة الواردة في قانون المطبوعات القديم لا تتجاوز مئة ليرة، كما انه لا حاجة الى وجود عقوبات محددة لجرائم غير محددة، نظراً لوجود عقوبات لكل مخالفة او جرم من الجرائم المذكورة في قانون المطبوعات، وذلك باستثناء احالة قانون المطبوعات لبعض الجرائم على قانون العقوبات، لأن وجود نصوص محددة يؤدي الى تطبيق النص القانوني بالشكل الامثل وتبعاً لمقاصد المشرّع وغاياته والتطبيق العملي لهذا النص.
المطبوعات وتغيير الدستور والعصيان: إن المطبوعة التي تسعى أو تدعو الى تغيير دستور الدولة بطرق غير دستورية أو الى العصيان ضد السلطات القائمة بموجب أحكام الدستور معاقب عليها وفق المادة /56/ من قانون المطبوعات الجديد بالعقوبات النافذة في القوانين النافذة، أي تطبيق العقوبات والقوانين الأخرى، وهذا النص يتماثل مع نص المادة /69/ من قانون المطبوعات القديم.
المحكمة المختصة بجرائم المطبوعات: حددت المادة /57/ من قانون المطبوعات الجديد المحكمة المختصة بجرائم المطبوعات، وهي محكمة بداية الجزاء والقرارات عنها قابلة للاستئناف، وعلى أن تكون قرارات محكمة الاستئناف مبرمةً.
بين قانون المطبوعات والدستور نعتقد بأن نص المادة /57/ من قانون المطبوعات الجديد مخالف للدستور لسببين: 1- تؤكد المادة /25/ من الدستور الدائم بأن الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم، وبأن سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.. وبأن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، واذا كانت الجرائم التي تنظر فيها محاكم بداية الجزاء قابلةً للاستئناف وفق أحكام المادتين /169- 165/ من قانون أصول المحاكمات الصادر بالمرسوم التشريعي /113/ لعام 1950، وبما أن القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف قابلة للطعن بطريق النقض وخاصةً اذا قضت بعقوبة الحبس لمدة تتجاوز عشرة أيام وبغرامة تزيد عن مئة ليرة وفق المادتين /169- 165/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أو باحدى هاتين العقوبتين، واذا كانت أغلبية العقوبات الواردة في قانون المطبوعات الجديد رقم /50/ لعام 2001 تقضي بعقوبة الحبس لمدة تتجاوز عشرة أيام، وبغرامات تصل الى مليون ليرة سورية، فهل يُجيز الدستور النص الوارد في قانون المطبوعات الجديد والذي يجعل القرارات الصادرة في قضايا المطبوعات مبرمةً لمجرد صدورها عن محاكم الاستئناف حتى لو قضت بعقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات. كما أن المادة /25/ من الدستور.. جاءت واضحةً في تأكيدها على مبدأ سيادة القانون وعلى مساواة جميع المواطنين أمام أحكامه، وهذ السيادة تقتضي أن تكون القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف في قضايا المطبوعات قابلةً للطعن بطريق النقض تأكيداً لمبادىء الدستور بضرورة المساواة التامة ما بين المواطنين أمام القانون، فاذا كانون القانون بشكل عام يسمح للمواطنين الطعن بالقرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف اذا قضت بعقوبة الحبس لمدة تتجاوز عشرة أيام وبغرامة تتجاوز المئة ليرة، أو باحدى هاتين العقوبتين، وذلك في الجنح المنصوص عنها في قانون العقوبات العام لماذا يُحجب هذا الحق عن الصحفي.. وحتى في حال الحكم عليه بالحبس لمدة ثلاث سنوات.. والغرامة مليون ليرة؟؟. 2- لا يجوز أن يُحدد القانون الجديد زمناً لصدور القرارات عن المحاكم لأن غاية المشروع تأمين محاكمة عادلة، وبالتالي ضرورة منح المتداعين في جرائم المطبوعات الفرصة الكافية لتقديم الوثائق والأدلة، وتسمية الشهود ودعوتهم وسماعهم والمهل الواجب توفرها لضمان المحاكمة العادلة. وبالتالي.. فإن المهلة المحددة بالفقرة /ب/ من المادة /57/ من قانون المطبوعات الجديد رقم /50/ لعام 2001، والتي تستوجب صدور القرار عن محكمتي البداية والاستئناف في مدة أقصاها شهران لا تنسجم مع التطبيق الفعلي لمبادىء المحاكمة العادلة.. وحبذا لو اقتصر النص على تأكيد سرعة البت في قضايا المطبوعات. لقد صدر قانون المطبوعات الجديد بعد نصف قرن من صدور قانون المطبوعات السابق صدر خلال هذه السنوات الدستور الدائم، الذي أكد على مبدأ سيادة القانون، وضرورة المحافظة على الحريات وصياغتها والدفاع عنها، ومع تقدم وسائل الاتصال والثورة المعلوماتية.. كان لابدّ من صدور قانون جديد للمطبوعات، إلا أن مضاعفة العقوبات في كثير من نصوصه، جعل من هذا القانون قيداً على دور الصحفي.
اضافةً الى أن هذا القانون لا ينسجم مع الثورة التشريعية التي تشهدها سورية.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon