تتناقض الثقافة الدينية المهيمنة على تفكير المجتمعات العربية تناقضاً كبيراً في قضية المرأة. ففي حين أن معظم المجتمعات العربية التي يغلب عليها الطابع الديني لم تحسم أمرها في مجال حقوق المرأة السياسية والمساواة, تعتبر تلك الثقافة أن الموروث الديني كرم المرأة وأنصفها ووضعها في مرتبة سامية فجعلها مثلاً يضرب للإيمان "ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون" ولكن لا يوردون الآية السابقة لها التي ضربت مثلين للكفر بامرأتين "ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط"التحريم_10_ في هذا السياق نفهم أن المسألة ليست أمثالاً بقدر ما هي رؤية متكاملة نحو المرأة رسخها الموروث الثقافي الديني وساهم بشكل كبير في واقع الظلم الذي تعيشه وتعانيه, ولقد جاءت إشارات إلى ذلك في تقرير التنمية العربية الشاملة للعام (2004) وليس هناك من ينكر أن الإسلام جاء خطوة متقدمة وثورية نحو الواقع المزري الذي كانت تعيشه المرأة في المجتمع العربي القبلي الذي كانت فيه تورث للابن بعد موت الأب مع ممتلكاته الأخرى.و جعل الإسلام الذمة المالية للأنثى منفصلة عن الرجل وأعطاها حق التملك واعتبرها شقيقة للرجل في الخلق وكرمها تكريماً شديداً كأم. ولكن عبر عصور طويلة لم يطرأ تعديل أو تطوير في مفاهيم القوامة والتفضيل وحقوق الرجل على المرأة. أخذ الموروث الديني يزداد ثقلاً وظلالاً على عاتق المرأة, وتأكدت الروية الأحادية كون الفقهاء والشرعيين والأئمة كانوا على مدار الزمان من الرجال وكانت العقلية الذكورية غالبة في فهم النصوص المقدسة_كتاباً وسنة ً_ ومائلة بشكل مستمر نحو القوامة والتفضيل القانوني التشريعي "الرجال قوامون على النساء" النساء_34_ وليست قوامة معنوية أو أخلاقية, وآية القوامة فيها الكثير من حقوق الرجل على المرأة وفيها حقه في الوعظ والهجر والضرب. ولعل أهم المعضلات التي لم يستطع الفكر الديني حلها وتجاوزها هي مسألة تعدد الزوجات والتي تشكل أزمة حقيقية للفكر الأصولي فهو لم يتمكن من إعطاء المبررات العلمية والأدبية لهذه الإشكالية. هل التعدد منصوص عليه: بداية ليس هناك من ينكر أن تعدد الزوجات منصوص عليه بوضوح وأكدته الممارسة العلمية والتاريخ الممتد عبر أكثر من أربعة عشر قرناً. والآية الثالثة من سورة النساء فيها أكثر من إباحة التعدد, فيها إباحة الإماء والإماء نساء وبدون عدد وفي شرعة حقوق الإنسان ليس هناك أحرار وإماء فالنساء سواسية كأسنان المشط. والنص القاضي بالبقاء على واحدة خشية الظلم مفسر بنص آخر (النساء_129_) يبين حدوداً للعدل المطلوب مع التأكيد على التعدد: "و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" فيها ذكر النساء وهن أكثر من واحدة فكأن النص أقر أكثر من امرأة لأن العدل بين النساء فوق استطاعة البشر. "ولن تستطيعوا العدل بين النساء ولو حرصتم" إذاً العدل المطلوب غير ممكن " ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها" البقرة_286_ ولذلك هو خارج نطاق التكليف, هنا نعود إلى الأصل وهو التعدد. المبررات التي يسوقها أنصار التعدد: اعتبر البعض ممن يؤيدون التعدد أنه لحل مشكلة العنوسة فالمرأة التي فاتها قطار الزواج ترضى كونها الزوجة الثانية وتعرف طعم الرجولة والأسرة خير لهل من البقاء في بيت أهلها يُنظر إليها بالريبة والنقص, والتعدد يتيح لها الشهوة الحلال بدل الانزلاق في دروب الحرام. هذه أحدث المبررات التي يطلقها مروجوا التعدد خاصة بين الدعاة الجدد في مصر. حل مسألة العنوسة لا يكون بمشكلة التعدد بل بوضع برامج اجتماعية تنموية تتيح رفع مستوى المعيشة بما يترك المجال للشباب والفتيات لبناء أسرة قادرة على تحقيق متطلباتها المعيشية. وإحلال مشكلة مكان أخرى فيه استسهال للأمور وعجز عن البحث في أساليب حضارية حديثة لمشاكلنا المعاصرة وفيه استهتار بالعقول وتجميد للفكر. في دولة الإمارات العربية المتحدة حلوا مشكلة العنوسة بوضع برامج تنموية تتيح القروض والمنح والتسهيلات للراغبين في الزواج, وممكن للمصريين إيجاد حلول تناسب بلادهم وتنطلق من أفكار تنموية مرحلية وشاملة. وبالنظر بطريقة معاكسة نرى أن التعدد سبب من أسباب العنوسة عند الشباب فالقادر الذي يملك المال والمستوى المعيشي العالي يتمكن من أن يتزوج أربع نساء وهو بذلك يحرم ثلاثة شبان من حقهم في الزواج, فإذا انتشر التعدد بصورة كبيرة كما هو حاصل ستزداد مشاكل الشباب من الذكور ويرتفع عدد الشبان العزاب. وبهذا يبدوا تعدد الزوجات تشريعاً للأغنياء فقط فيكرس الفوارق الاجتماعية ويرخي بظلال من الظلم على شرائح عديدة من الناس. ومن المبررات الأخرى: عدم قدرة امرأة واحدة على إشباع رغبة الرجل وهنا أتساءل هل حقاً يتمتع المتدينون الراغبون بتعدد الزوجات بقدرات خارقة أم أنهم أناس عاديون كبقية البشر. المسألة في الواقع جوع جنسي لا ينتهي سببه الحرمان الذي يعاني منه الشاب المتدين مع ما يرتبط في ذهنه من أهمية قصوى للمتعة التي تُعتبر ثمرة عظيمة ينالها في حياته الأخرى, فيتضخم لديه الجوع نحو النساء, وعندما يحصل على واحدة يطالب بالثانية. إن التشديد البالغ في القيود المفروضة على الرجال والنساء يدفع نحو إيجاد كل السبل لوصول الرجل الواحد إلى عدد من النساء في سبيل إشباع رغبة وهمية. النبي والزوجة الواحدة: ليس هناك أدنى شك بأن تعدد زوجات النبي كان لأسباب نبيلة هدفها الصالح العام ولكل حادثة مبرراتها. والذي لا شك فيه أيضاً أنه لا يوجد رجل آخر تنطبق عليه مثل هذه المبررات ولا يوجد من يستطيع الرقي إلى مستواه في النبل والسماحة. من المعروف أن النبي أحب خديجة أكثر من أية امرأة أخرى وتؤكد ذلك الروايات التي تبين حرصه على إرضائها حتى بعد وفاتها فكان يكرم أصدقاءها وأقاربها وفاءً لذكراها. ولم يرض من عائشة النيل من مكانة خديجة بعد وفاتها بسنوات طويلة. تذكر السيرة كيف كانت خديجة تؤازر النبي في بداية نزول الوحي وكان يعود إليها من غار حراء فتواسيه وتخفف عنه فزعه. علاقة الحب والقدير والاحترام المتبادل بين النبي وخديجة جعلتها زوجة واحدة ما يقارب العقدين من الزمن.. لم يتزوج النبي بعدها مباشرة واكتفى بامرأة واحدة حتى تجاوز الخمسين وأمضى ما يقارب ربع قرن دون تعدد للزوجات. وهي فترة أوج النشاط الجسدي عند الرجل (ما بين 25 _ 50 سنة) هذه القصة المأثورة تعني بوضوح أن المرأة الزوجة الواحدة كانت محل احترام شديد, ولم تكن العلاقة الشهوة هي الرابط الوحيد. فكلما كانت الزوجة حاضرة بقيمتها الإنسانية الكاملة كانت مسألة التعدد غير واردة. فاطمة وعلي: (عليهما السلام) علي ابن عم النبي المقرب إليه والمفضل لديه.. زوجه ابنته أحب الناس إليه. وأنجبت له حفيدين لا يعدل حبهما في قلب النبي حب أحد. تروي الآثار قصة محاولة علي الزواج ثانية مع الإبقاء على فاطمة, فتسمع ابنة النبي الخبر فتشتكي لوالدها فيصعد النبي المنبر ويقول: إن بني هشام استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي ابن أبي طالب.. فلا آذن, ثم لا آذن, ثم لا آذن, إلا أنيريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنما ابنتي بضعة مني ويريبني ما يريبها ويؤذيني ما آذاها. وفي رواية: "إن فاطمة مني وأتخوف أن تفتن في دينها" البخاري ومسلم. وفي قصة أخرى: "قالت أسماء بنت حميس: خطبني علي فبلغ ذلك فاطمة فأتت رسول الله (ص) فقالت: إن أسماء متزوجة علياً, فقال لها النبي: ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله". إيذاء وريبة وفتنة للمرأة وأهلها هذا ما يتسبب به طلب الرجل الزواج فوق زوجته. فالنبي استاء كثيراً عندما خطب صهره امرأة ثانية واعتبر الأمر إيذاء لله ورسوله. وكرر رفضه إعطاء الإذن بزواج صهره ثلاث مرات واشترط طلاق ابنته إذا أصر صهره على إدخال ضرة إلى بيت ابنته فالمسألة إنسانية بشرية وكل امرأة تتأثر بما تتأثر به سيدة نساء الأرض فاطمة. علاقة تعدد الزوجات بمكانة المرأة عموماً: التعدد جزء من ثقافة فكرية ومناهج تربوية تتمثل في مجموعة من الأحكام المسبقة المتعلقة بالمرأة وتساهم بشكل رئيس في تحديد مكانتها وتبرر الأحكام الخاصة بها. فالمرأة قبل الرضوخ في مسألة التعدد لا بد لها من الحضور الذهني والجسدي ومن ذلك تعلم نصوص وفتاوى وأمثال وحكم مثل: "إن المرأة تقبل بصورة شيطان وتدبر بصورة شيطان" النساء أكثر أهل النار الولد للفراش وللعاهر الحجر النساء ناقصات عقل ودين "مضت السنة أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق" "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح" "وحق الزوج على زوجته إلا تمنعه نفسها ولو كان على ظهر جمل" "وألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع وإن كان ظالماً". ليس هناك دليل على وجود شروط شرعية واجبة على الرجل فعلها قبل تعدد الزوجات وليس عليه أخذ إذن زوجته أو حتى إخبارها يجوز للزوج طلاق المرأة بالوكالة عندما جاء المكّيون إلى المدينة كان الأنصاري يقول للمهاجر: انظر أي زوجاتي أحب إليك أطلقها فتتزوجها بعد ذلك هذا المنهج الثقافي التربوي يساهم في بناء أجيال من الشباب تعتقد بحقها الكامل في القوامة والتعدد كما يوجد فتيات لا يعارضن في موقع النقص والإقصاء. لهذا نرى العديد من النساء لا يعارضن التعدد من منطلقات دينية. لكن المرأة التي تحب زوجها وتشعر بكرامتها ومكانتها لا ترضى بوجود زوجة أخرى في حضنة فما بالك بالثلاث أو الأربع. ولها بذلك أسوة بفاطمة الزهراء وأمها خديجة الكبرى. الخيانة الزوجية: يخفي تعدد الزوجات رغبة حقيقية وملحة في الخيانة الزوجية. فعلاقة الحب والاحترام القائمة بين الرجل وامرأته تمنعها من إقامة علاقات خارج الأسرة. فإذا رغب الرجل في علاقات أخرى فإن محبته وتقديره لزوجته وكرامتها تمنعه من فعل ذلك, ولكن عندما يعتقد الرجل بأن له الحق في التعدد مهما كان رد فعل زوجته فإنه سيحاول تحقيق رغباته بأية وسيلة, ولما كانت العلاقات خارج الزواج محفوفة بالمخاطر الاجتماعية والصحية وربما الفضيحة القانونية, يلجأ المتدينون إلى الزواج الثاني لأنه آمن ويترك الباب مفتوحاً للتفكير بخيانات جديدة وزوجة ثالثة ورابعة. وبكل تأكيد فإن تحقيق رغبات الزوجات الثلاث أو الأربع أمر غير ممكن, وهذا يعني حرمان البعض وظلم البعض الآخر وربما يكون التعدد سبباً قوياً يدفع المرأة للتفكير في الخيانة الزوجية لقناعتها بالظلم والتهميش الجسدي والمعنوي من قبل زوجها. الآلام النفسية والجسدية: تتزوج الفتاة المتدينة من شاب متدين وتقسم على الوفاء له وترضى لنفسها كل ما فرض عليها من حقوق وواجبات. وحالما تبدأ على الرجل عوارض تحسن حالته المادية يزداد إلحاحه على الزوجة الثانية. وتبدأ المعاناة الجسدية والقهر النفسي. تذهب كل الأمنيات والرجاء مهب الريح وتأتي الزوجة الجديدة بشروط وميزات ما كانت تحلم بها أم العيال. وتستمر المعاناة والصراع وتأخذ المرأة على عاتقها عبء الحفاظ على الأسرة من الانهيار وتستمر في القيام بأعباء البيت. تنام مع الدموع وتستيقظ على الآلام وتحتار في تفسير ما يصيبها وما تعانيه. وفي الطرف الآخر يشتكي الرجل القوام المزواج ويزداد تكبراً وتجبراً وزيادة في الحرمان عقاباً على النشوز ويلجأ إلى الهجر فتزداد الزوجة المظلومة عذاباً فيلجأ إلى آخر الحلول وهو الضرب. يكبر الشعور بالظلم والقهر ومع تطور الآلام الجسدية والنفسية يتفتق ذهن الرجل التقي عن حل جذري: اسمعي أيتها المرأة لقد تلبسك الشيطان وأخذ يجري منك مجرى الدم من العروق فأنت تعترضين على أمر الله ورسوله. تصدق الزوجة المظلومة تشخيص زوجها العارف العالم وتفتح فصلاً جديداً من مأساة بدأتها بالزواج من رجل يعتقد أنه الخليفة في الأرض "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" ختاماً: التعدد يتعارض مع روح العدل والمساواة والتسامي بالأخلاق النبيلة. إن قيم العدل والمساواة والحرية والتراحم والإنسانية هي التي جعلت الإسلام ديناً رائعاً, والقضاء على أي من هذه القيم يؤدي إلى تقويض الدين كله. إن الدافع الرئيس في إشكالية تعدد الزوجات هو الشهوة الجنسية التي جاءت التعاليم الدينية لتهذيبها وتنظيمها. وهذه الرغبة الملحة في نكاح أعداد كبيرة من النساء يتعارض بشدة مع التعاليم التي توصي بحب الآخر والزهد في الدنيا والتفرغ للصالح العام.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon