"الوطن" تحاور رئيس سابقة لأحد تنظيمات القاعدة النسائية

أم أسامة تروي كيفية فشل مشروع إعداد المقاتلات في السعودية

أكدت رئيسة سابقة لأحد تنظيمات القاعدة النسائية، "أم أسامة"، في حوار أجرته معها "الوطن" على شبكة الإنترنت، "أنه كانت هناك برامج مكثفة لإعداد المرأة للدخول في الجهاد، حسب نظرتنا سابقاً، وبدأوا بالتجهيز وجمع النساء الراغبات، ولم نكن نعلم حينها ما هو المقصود بالجهاد.. أو ما هو الدور المطلوب من المرأة في عملية الجهاد الشاملة. وكنّا نجهل الكثير من التفاصيل"، مضيفة "وإذا كان هذا حالي وأنا واحدة من القياديات، فما بالك بمن هنّ دوننا؟! شارحةً "أن خلافاً واسعاً ثار حول هذه القضية، حين لاحظنا أن زوجات وبنات وقريبات "المجاهدين"، لم ينخرطن في هذا العمل أو هذا البرنامج التدريبي. وكنت أول من طرح هذا الاستفسار. وكان استفساراً وجيهاً وتشجّعت الكثيرات للتفاعل معه، فكيف تُقحمون بنات وزوجات الآخرين ولا تُضحّون بنسائكم!؟ ثم ظهرت الكثير من الأطروحات المشابهة مثل: لماذا أصلا ندخل مجال العمل الجهادي "الجسدي"؟! خاصة أن "دخول المرأة مجال الجهاد الجسدي" غير معروف عند أصول وأخبار تنظيم القاعدة، فلماذا الآن صار موجوداً؟ نحن مستعدات للتعاون بأي شكل من الأشكال التي تناسب قدراتنا. وظهر خلاف كبير وجدل واضح ولم يُحسم من القادة الكبار، حتى إننا توقعنا أن يتكلم أسامة بن لادن عن هذه القضية؛ لأنها فاصلة. ولاحظنا أهميتها لدى القادة الميدانيين أنهم فعلا يريدون دفعنا بقوة إلى الميدان. وبدأت وقتها عمليات كبيرة وواسعة ضد التنظيم في الداخل من قبل الحكومة السعودية، وعمليات لم يكن أحد يتوقعها".

وفككت هذه العمليات التنظيم إلى خلايا متناثرة، بل أصبح الكثير من الأشخاص لا يعرفون أين يذهبون، فتم تكثيف العمل من خلال الإنترنت، طبعا في السابق كانت جميع البيانات واللقاءات والنقاشات تدور في الإنترنت، إما في المنتديات أو "القروبات" أو رسائل البريد ، فلو سألني أحد عن القائد فعلاً، لا أعرفه ولا تربطنا أي صلة مباشرة به، نحن نقرأ المواضيع والبيانات ونطبق ما فيها وننشر ما فيها.

ولتوضيح الصورة قالت أم أسامة "هناك طبقة المنخرطين فعليا بالتنظيم وهم مطلوبون ومعروفون، وربما كان بعضهم متخفين، وهم الذين يباشرون عملية التفجير أو القتل، وهؤلاء لا نعرفهم لكن نعرف أخبارهم عن طريق المنتديات والمواقع، والنساء اللاتي معهم تابعات فقط، فحسب علمي لا توجد امرأة فاعلة وناشطة في الطبقة الأولى، خاصة بعد فشل مشروع أو برنامج إعداد المقاتلات! وإن كنّ موجودات فهنّ نادرات. والطبقة الثانية هي طبقة الدعم الفكري وجلب المتعاطفين. وتأسيس وجودنا في الإنترنت، وانتشارنا فكريا كان بنسبة 80 %، عن طريق الإنترنت، في هذه الطبقة توجد كثيرات ناشطات، لدينا منتديات وقوائم بريدية وخطط كثيرة لدعم التنظيم فكرياً، ووصلتنا إرشادات كثيرة من قادة التنظيم حتى من أسامة بن لادن امتدح المجاهدين والمجاهدات عبر الإنترنت.

وعن المعتقدات السائدة لديهم في تلك الفترة، تقول أم أسامة "كنا نعتقد أننا في حالة حرب شاملة مع الدولة "الكافرة". حسبما تم إفهامنا وطبعا كان لدينا مفهوم خاطئ أنه في حالة جهاد الدفع، تشترك المرأة والصبي، ولا يجب استئذان الزوج حتى ولا ولي الأمر!! بعد ذلك تبين لي أن هذه المفاهيم خاطئة، وأن هذا أقرب ما يكون إلى الفوضى من الجهاد، فالإسلام، كما يقول الشيخ عبدالمنعم المشوح، دينُ نظامٍ وانتظام حتى في حالة الحرب. طبعا كان مفهوم الجهاد متغلغلا في وجداني، وما زال، لأنه شريعة ربانية ومن ديننا، لكن أي جهاد؟ وجهاد من؟ ومتى؟ الخطأ الذي جرنا إلى تبني هذه الأفكار عدم نشر ضوابط وأصول الجهاد الصحيحة، من الخطأ مثلا ألا يدرّس الطلاب والطالبات الجهاد بمفاهيمه الشرعية الصحيحة؛ لأنهم ببساطة سيكونون جهلة، ومن السهل التلبيس عليهم وإثارة الشبه وغسلهم فكرياً.

وأكدت أم أسامة أن هذا النمط من التفكير لم يعد مسيطراً عليها، موضحة "أنا أتمنى الشهادة، وأحب الجهاد كنت وما زلت، لكن تغيّرت النظرة للجهاد ولمفهوم الجهاد. في السابق كنت أو كنا نظن الجهاد هو أن تحمل السلاح وتقاتل أو أن تموت برصاص الكفار، لكن الصحيح أن الجهاد أبوابه كثيرة جداً، فإصلاح المجتمع جهاد والمساهمة في بناء حضارة بلادي جهاد، وكدّي في عملي سواء في بيتي أو وظيفتي جهاد ، فالعدو لم ينتصر علينا بالقوة العسكرية فقط، لكنه تفوق عسكرياً وتقنياً وفكرياً واقتصادياً".

وعن مدى تأثرها بحملة السكينة لتوعية الشباب عبر الإنترنت، قالت أم أسامة "في البداية لم أكن أعرف أنها حملة مُنظّمة. ظهر في المنتديات ومواقع الحوار عدد من المحاورين المختلفين يختلفون عن غيرهم، فهناك من يناقشنا أو يناقش القادة بأساليب هابطة واتهامات وقائمة طويلة وعريضة من الشتائم. وكان خطابهم جافاً وحاداً، هؤلاء لا نخاف منهم مهما قالوا ومهما انتشروا في المنتديات، بالعكس هؤلاء يجعلون الناس تتعاطفون مع القاعدة وتنظيمها ورجالها، بدأنا نخاف من هؤلاء الذين يحاورون بأساليب راقية وعلمية قوية. لاحظنا تعاطف الناس معهم، وشعرنا فعلا أننا بدأنا نفتقد متعاطفين، فكتب القادة، كما قلت لا نعرفهم شخصيا لكن عبر الإنترنت، رسالة تحذير ونفير وأن علينا تكثيف جهودنا في الإنترنت. بدأنا نتناقش معهم وصارت الأفكار التي يطرحونها هي شغلنا الشاغل. وأثاروا عندي، وعند كثيرات ممن أعرف، شبهات ومشاكل حول قناعات كانت راسخة لدينا. الأمثلة كثيرة لكن مثلاً مسألة تكفير الدولة السعودية، هذه كانت لدينا من المسلمات التي لا نقبل فيها أخذاً ورداً، وكان الاعتماد في ذلك على مسألة الولاء والبراء. بعد نقاشات كثيرة وجدنا، أو على الأقل وجدت، أن القواعد العلمية التي كانت تُملى علينا خاطئة غير صحيحة، وأن الدولة السعودية بناء على ذلك لا تكون كافرة".

وأضافت أم أسامة "في تلك الفترة حدث نقاش طويل جداً وقوي جداً في أحد المنتديات بين قائد ميداني للتنظيم، هو الآن مقبوض عليه وهو أعلم شخص في التنظيم في وقته، وأحد الأشخاص، وكان كلاهما يتحدث باسمه المستعار. وأثر هذا الحوار تأثيراً كبيراً عليَّ، وأصبح هاجسي لفترة طويلة، وشعرت باهتزاز قناعات كبيرة لديَّ، المهم راسلت المُحاور الآخر باسم مستعار، وعلى اعتبار أني مُشرفة في عدة منتديات ولي خلفية شرعية لا بأس بها، وجدت لديه الأسلوب الراقي المؤدب ووفرة العلم الشرعي والهدوء. تحاورنا لمدة 3 أسابيع بعدها خرجت إنسانة أخرى ولله الحمد والفضل، وتكشّفت لي الكثير من الحقائق والشبهات، أحب ديني ووطني وأحترم علمائي، وقد ناقشت كثيرات من زميلاتي، فبعضهن رجعن إلى الحق وبعضهن ما زالت المحاورات جارية معهن، لكن لابد أن تهتز القناعات، وليس سهلا أن يتغير الإنسان، خاصة ممن كنّ يحملن مثل أفكارنا وقناعاتنا. لا أعرف كيف أصف تقديري وشكري لحملة السكينة، والله أني أدعو لهم في كل صلاة، فهم سبب خير وسبب نجاة من باطل.

وترى أم أسامة أن المواجهة العسكرية وحدها لا يمكن أبدا أن تقضي على التطرف والإرهاب، فمن اختار هذا الطريق في الغالب لا يخاف من الرصاص والسجن، يجب التركيز، مع هذه المواجهة العسكرية، على المواجهة الفكرية، الحوار وطرح المواضيع ونشر العلم الشرعي الصحيح والمفاهيم الصحيحة، يعني خلال ثلاث سنوات لم أقرأ أو أسمع بمثل الطروحات التي طرحتها حملة السكينة!! هناك من يطرح لكن بأساليب منفرة، وهناك من يطرح لكن بأساليب هزيلة، فالتركيز على الأساليب الراقية والعلمية، وطول النفس في الحوار والوصول إلى الناس خلال الإنترنت و"المسنجر" والمنتديات والمجموعات هذا هو المطلوب، أنا أعرف زميلة عزيزة عليَّ هرب ابنها ويريد أن ينضمّ إلى إحدى خلايا القاعدة، لكنه وبتوفيق من الله ضيّع مكانهم أو هم انتقلوا إلى مكان آخر، فسكن في مكان مؤقت إلى أن يجدهم في هذه الفترة. وكان يدخل الإنترنت. ومن توفيق الله تزامن دخوله مع أحد المحاورين في "المسنجر"، حيث تبين له في النهاية أنه من دعاة حملة السكينة وحينها رجع إلى أهله ودراسته ومسجده، أسأل الله أن يقر عين أهله به. أمثال هذا الشاب كثيرون، لكن أين الذين يصلون إلى الشباب بأساليب وطرق مقبولة؟ وأنا كذلك أعتب على أعضاء حملة السكينة الواجب عليهم أن يكثّفوا جهودهم أكثر وأكثر".

وعما إذا كان هناك اتصال بأعضاء القاعدة في الوقت الحالي، قالت أم أسامة "كما ذكرت لك القاعدة تفتت إلى خلايا وهذا جيد من جهة و سيئ من جهات أخرى، جيد من جهة أنه لن تكون هناك عمليات ضخمة جدا أو عمليات متتابعة، و سيئ من جهة متابعتهم فالخلايا لا تعرف بعضها، وليس بينها أي تواصل في الغالب. القيادات الميدانية في السعودية انتهت إما بالقتل، أو بالقبض عليهم أو التراجع، فهناك كثير من القيادات الفكرية تراجعوا، ولأنهم ليسوا بالميدان لا يشعر بذلك إلا القريبون من القاعدة، يعتمدون الآن على خطابات ابن لادن، هداه الله ورده إلى الحق، فخطاباته تحمل التوجيهات وفيها شفرات وعلامات، ويرسم في خطاباته خططا ميدانية، فالخلايا تأخذ هذه التوجيهات والشيفرات وتطبقها، المشكلة أن القيادات الذكيّة ذات الخبرة الطويلة تلاشت، وبقيت قيادات قليلة الممارسة ليس لديهم باع عسكري أو علمي كبير، لذلك جاء خطاب ابن لادن الأخير طويلا جدا وفيه تفصيل كثير بخلاف خطاباته القديمة.

ونفت أم أسامة أي تواجد لتنظيم نسائي في مدارس تحفيظ القرآن، كما يُثار، أو في المدارس الحكومية، ولكن ذلك لا ينفي احتمال وجود متعاطفات في كل مكان، أنا أتكلم عن طبقتي وجيلي، لكن لو استمرّ الوضع على ما هو عليه الآن من عدم تركيز الجهود على الاستئصال الفكري والمعالجة الشرعية الفكرية وتكثيف الحوار وكشف الشبهات سوف نحصل على طبقة وجيل جديد من القاعدة لا ينتمي إلى خلية ولا ينضم إلى مجموعة فهو وحده أو هي وحدها خلية وتنظيم، وهذا أخطر بكثير من الوضع الحالي، لذلك يجب التسريع بالحل الفكري. لا تقولوا لي بأن الوسائل المرئية أو غير المرئية مثل التلفزيون والصحف لا بأس بها، لكن في الحقيقة لا أحد يسمع لها ولا يأخذ منها، خاصة وأساليب إعلامنا بدائية، نحن نحتاج الوصول إلى المتعاطفين، وإلى الأعضاء ومحاورتهم، نحتاج إلى نشر المنهج المعتدل والعلم الصحيح، نحتاج إلى وقفة مع الكتّاب في الصحف الذين يستفزون الشباب والفتيات الملتزمين، فالوضع لا يحتمل شحنا نفسيا.

وفي وصفها للفكر المتطرف، تقول أم أسامة "التطرف قد يكون في حمل السلاح والتفجير باسم الدين، وقد يكون بإثارة الفتن، وقد يكون باتهام الناس وتتبع عوراتهم، وقد يكون التطرف عن طريق المطالبة بإلغاء التدين أو صور من التدين الصحيح المعتدل، يعني الذين يطالبون بإلغاء أو يتهمون مدارس تحفيظ القرآن الكريم أو المعاهد العلمية بأنها تفرّخ الإرهاب هذا من التطرف، وصور التطرف كثيرة. والمتطرف قد يكون معذورا في تطرفه لأنه لا توجد مؤسسات كبرى ترعى وتقيم برامج ومشاريع تعالج أسباب التطرف. لا توجد لدينا مراكز للدراسات الاجتماعية التي تعتني بالتطرف ومعالجته وقياسه. وبوجه عام المتطرف والمتطرفة موجودون دائماً.

وتقول أم أسامة عن التجربة التي مرت بها "إنها لم تكن تجربة سهلة أبدا لا قبل التوبة والرجوع إلى الحق ولا في الفترة الانتقالية ولا بعدها، فقبل التوبة والرجوع إلى الحق كنّا أو كنتُ أحاربُ أمتي، نعم، كنت عونا لأعداء ديني وبلدي وأهلي، ووقتها كنت أظن أني أخدم ديني وبلادي!! لم أكن أفهم معاني الإسلام الجميلة الرائعة التي تجعل من الشخص إيجابيا فاعلا بنّاءً لا سلبيا ناقماً هدّاماً!! الفترة الانتقالية كانت صعبة جداً، ولكن الحمد لله الذي جعل في طريقي من يدلني بأسلوب مقبول، من الصعب تغيير قناعات ترسّخت خلال سنوات طويلة جداً، من الصعب على امرأة في مكانة قيادية فكرية أن تتحوّل إلى الطرف الآخر الذي كانت تُكفّره وتصفه بالخيانة والنفاق. فترة ما بعد التوبة كذلك ليست سهلة فأنا الآن أحمل همّ بنات جنسي وشباب بلدي الغالي، الذين غُرر بهم وبهنّ ولم يجدوا اليد الحانية التي ترعاهم وتفهم شبهاتهم وبماذا يفكرون. وأنصح أخواتي في الأمة الإسلامية ألا يقبلن من يستغلهن لصالح مبتغياته المنحرفة، وألا يجعلن العاطفة هي شريعتهن، وعليهن حماية بيوتهن ومدارسهن من الدخلاء ومن الأفكار التي تنهش بعقول الصغار والكبار، وعليهن نشر مفاهيم الاعتدال والتدين والوسطية.

وتقول أم أسامة، إنها سمعت باعتقال بعض المتطرفات، ولكنها لا تعرفهن، مؤكدة ما قالته من قبل عن فشل برنامج إعداد النساء ميدانياً، مطالبة بإنشاء مراكز ومؤسسات وتُدعم دعما عالي المستوى تُعالج التطرف والأفكار المغالية وتنشر مفاهيم الإسلام الوسطية والمعتدلة والصحيحة.

وتشير أم أسامة إلى إعلان نشر قبل شهر لحملة السكينة، أوضح أن عددهم 20 شخصاً فقط، معبرة عن دهشتها للتأثير الواسع لهؤلاء العشرين، والنتائج الضخمة والملموسة التي ظهرت على أيديهم، مضيفة "ولكن الوضع أكبر بكثير من ذلك، وانتشار أفكار القاعدة والمتطرفين وغيرهم في الإنترنت يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.

20/2/2005

الوطن السعودية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon