ربما كان أهم ما يتميز به هذا البحث هو أنه يقدم قراءة لعوائق إستفادة النساء القرويات من مشاريع التنمية, من خلال قراءة أشكال الكتابة على الجسد الأنثوى.
فى العقدين الأخيرين اتجه مفهوم التنمية ليصبح أكثر اتساعا وشمولية وليمنح مكانة محورية للإنسان فى صيرورة التنمية, عوض محورية الجانب الاقتصادي. من هنا مفهوم " التنمية البشرية " الذى أصبح متداولا فى أدبيات ثقافة التنمية فى العقدين الأخيرين. والذى يؤشر على استخدام مقاربة جديدة تمنح الثروة البشرية مكانة محورية في صيرورة التنمية باعتبار أن البشر هم الذين يقودون عملية التنمية, وهم الذين يفترض أن يتمتعوا بثمارها. فهم غاية التنمية و وسيلتها في نفس الوقت. الإعلان العالمي للحق فى التنمية (1986) يعرف التنمية تعريفا يلخص أهم التعريفات المتداولة للتنمية البشرية فهى: " مسار اقتصادي واجتماعي وثقافي وسيأسى شامل يهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد بالاعتماد على مشاركتهم الفاعلة والحرة والتقاسم العادل للخيرات الناتجة عن تلك المشاركة" كما يؤكد فى بنده الثامن أن: " التنمية حق يتمثل فى تحقيق المساواة فى الفرص للتمكن من الموارد الأساسية, من تعليم وصحة وتغذية ومسكن وعمل, وكذلك التقاسم المنصف العادل للمداخيل, ويحتم اتخاذ التدابير اللازمة لتمكين الناس والنساء على وجه الخصوص من المشاركة الفعلية باعتبار المشاركة عنصرا هاما فى التنمية وفى تحقيق كامل حقوق الإنسان". وضع النساء فى العالم وبشكل خاص فى البلدان النامية, وبشكل أخص النساء القرويات يجعلهن أبعد من أن تنطبق عليهن الأوصاف المتضمنة فى تعريف التنمية, ولا فى مفهوم الحق فى التنمية. التأكيد على ضرورة دمج النساء فى التنمية, أو ما أصبح يعبر عنه فى بداية سنة2000 ب: "النوع الاجتماعي والتنمية" طرح بإلحاح منذ السبعينات. تنمية جديدة تنصف النساء. بعد قرابة ثلاثين سنة - من مؤتمر مكسيكو- ما زالت التقاريرالدولية, ومن أهمها التقرير الذى يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي, تؤكد أن تدنى وضع النساء من بين أهم الأسباب والعقبات التى تعترض مسار التنمية الشاملة. ومما لا جدال فيه أنه فيما إذا استفادت النساء من مشاريع التنمية فإن ذلك سيكون له تأثير إيجابي على تكلفة التنمية التى تثقل ميزانية الدولة. كما أن الاستثمار في الموارد البشرية النسائية يسرع وثيرة النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي, فالنساء مكون أساسي من مكونات التنمية وإنصافهن شرط لا غنى عنه لتحقيقها. - التنمية البشرية والجسد الأنثوي. قد تبدو العلاقة غير واضحة بين الحديث عن التنمية البشرية, والحديث عن الجسد الأنثوى. فإشكالية التنمية تتداول عادة وسط علماء الاقتصاد والمتخصصين فى علم الاجتماع, وخصوصا علم اجتماع التنمية. وكذلك المهتمين بحقوق الإنسان دارسين ومناضلين. أما الجسد كموضوع بحث, فعندما يتجاوز مجال التشريح والفيزيولوجيا, فإنه يبقى فى الغالب فى حدود الدراسات الأنثروبولوجية. فى الواقع إن الشىء الجديد الذى يأتى به هذا البحث هو الربط بين سوسيولوجية الجسد وبين التنمية البشرية. حيث أن من ضمن أهم تساؤلاته التساؤل عن الكيفية التى تتفاعل بها التصورات السائدة عن الجسد الأنثوى مع مؤشرات التنمية. لهذا الربط مبرراته: ما نتعلمه من دراسات حديثة ورائدة فى مجال العلوم الإنسانية, أن الحديث عن الجسد يقع فى قلب الحديث عن السلطة السياسية, وبالتالى فى قلب مؤشر مهم من المؤشرات التى تعتمد عليها التنمية البشرية, وهو الحقوق السياسية, وما يسمى فى أدبيات التنمية البشرية بالحكم الجيد "Good gouvenance". "ميشيل فوكو" فى تحليله لأليات السلطة قدم قراءة للسياسي من خلال قراءة أشكال التعامل مع الجسد البشرى, كإحدى أهم الوسائط التى استخدمت لممارسة وتمرير سلطة مغلفة ورقابة سياسية. والجسد البشرى أحد العناصر الأساسية التنمية, كما تلح على ذلك المقاربة الجديدة للتنمية كتنمية بشرية. الجسد كذلك فى قلب السلطة الإجتماعية, بل فى قلب الحياة الإجتماعية برمتها. والحياة الاجتماعية هي مجال التنمية. البناء الاجتماعي الذى يخضع له الجسد, يجعل أشكال استخدامه وسيلة من وسائل التعبير والتدعيم لبنيات وعلاقات اجتماعية, ومرآة تكشف عن أشكال من التقابلات والتمايزات الإجتماعية, بل إنه يتجه لجعل الفوارق والتقابلات ذات الأصل الإجتماعى فوارق وتقابلات طبيعية . وعندما يستخدم الجسد كأداة لتدعيم هذه الأنواع من الفوارق, فإننا نكون أمام علاقة بين الإنتاج الإجتماعى للجسد, وأحد عوائق التنمية البشرية وألذ أعدائها أى التصورات والممارسات التمييزية. وإذا ما تبنينا التعريف الذى يجعل التنمية تهم كل السكان, ويشرطها بالتوزيع العادل للخيرات. فإننا نكون أمام معالم بداية إستراتيجية لفهم و لمواجهة هذا العائق بالشكل الذى يرتسم به على الجسد الأنثوى. العلاقة مع الجسد تبنى ثقافيا, و تشكل مرصدا متميزا للمخيالات الإجتماعية, لثقافة الجماعة, والبحث يفترض وجود علاقة بينها وبين تحقيق أو عدم تحقيق تنمية بشرية. مشاريع التنمية لاتنفد فى الفراغ.إن موضوعها البشر بمخيالاتهم و تطلعاتهم وآمالهم.عيب مشاريع التنمية التى وضعت إلى الآن أنها تسقط من فوق. لم يتم قبلها الإنصات إلى هدفها الحقيقي وهو المرأة. كما أن الدول المستهلكة لتلك المشاريع تستهلك تصورات ومفاهيم ونماذج لم تساهم فى إنتاجها. إن تفكيك مفهوم التنمية كما تم تحديده أنفا فى ربطه بالتنمية البشرية وبحقوق الإنسان إلى مؤشراته الأساسية, يجعلنا نلمس العلاقة الممكن حصولها بين الجسد والتصورات عن الجسد وبين التنمية البشرية.إذ أن مؤشرات التنمية تجعلها وثيقة الصلة بالجسد, بل تمر عبر الجسد فهى ترتبط ب: - متوسط العمر - الصحة – الصحة الإنجابية – مستوى عيش لائق. - التمتع باحترام الذات.(الذى يرتبط باحترام الجسد) - التغذية.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon