الجمعيات الأهلية.. المأمول والواقع

تصريحات عدة تعاقبت من مسؤولين مختلفين ومن المستويات القيادية العليا، تؤكد أهمية الجمعيات الأهلية وحساسية دورها التنموي الاجتماعي وضرورة دعمها بجميع السبل لتتمكن من تحقيق أهدافها. فماذا عن الواقع ..؟
لن نتكلم هنا عن الجمعيات الخيرية التي تساهم – مشكورة - بقدر كبير في مدّ يد العون للمحتاجين إنسانياً أو صحياً أو اجتماعياً، والتي تعمل بأغلبها تقريبا تحت مسميات دينية – رغم ما يشكله هذا الأمر من إشارات استفهام متعددة-.
سنتكلم عن تلك الجمعيات الأهلية ذات الفعالية الاجتماعية والاحتكاك الفعلي مع عموم شرائح المجتمع – كما يفترض -، والتي تحقق المساهمة الفاعلة العملية لا الكلامية في النهضة الحضارية المطلوبة ، وتحفيز المواطنين للقيام بدورهم الحقيقي في عملية البناء الحضاري، والتي تؤكد مبدأ أن يعمل الجميع يداً واحدة في مصلحة الوطن لأن الوطن للجميع.
تلك الجمعيات التي يفترض لها أن تنشط في المجال البيئي والاجتماعي والمعرفي والثقافي وحتى القانوني (حماية المستهلك مثلا)... إلخ، تلك الجمعيات التي تساهم أساساً في عملية تحصين المجتمع وتأكيد حقيقة المجتمع الوطني المتجانس الواحد ، حقيقة التعددية الثقافية التي تغني المجتمع السوري ، هذه الجمعيات التي نعلم أن العديد من المواطنين الغيورين قد تقدموا بطلبات كثيرة لتأسيسها وإشهارها. إضافة لما هو موجود ...... فماذا عن الواقع..؟
يمكن الاعتبار ومن خلال بعض المتابعات والملاحظات أنها تنقسم إلى ثلاث فئات إن لم تكن أكثر:
الأولى منها أسست منذ زمن طويل ولا تزال تعمل تحت أسماء مختلفة ، كجمعيات أو نوادي ، تراكمت عليها أحداث الزمان والظروف الموضوعية وغير الموضوعية والاعتبارات المختلفة ، فقاوم بعضها بعمله بل وأنشأ عدة فروع له اختلف عملها وفقاً لهيئاتها الإدارية ، وترهل البعض الآخر وفشل عملها بسبب ثباتها على ذات النظم والأساليب الإدارية المتخلفة وذات الإعتبارات السابقة ، إضافة إلى اعتبارها حكراً لإدارييها ولمن يعتبر نفسه وصياً عليها.
ومثال نذكرهنا : فرع حماه لجمعية العاديات مقارنة بالفروع الأخرى للجمعية وما سببته إدارة الفرع من تراجع كبير في الأداء والعمل من خلال محاولة فرض سيطرة رئيس الهيئة الإدارية واحتكار الرأي واعتبار الفرع كمؤسسة حكومية رسمية بها آمر ومأمور ، إضافة إلى محاولة تسييس الفرع وربطه بجهات وصائية محددة.
أما الثانية منها، فقد أسست منذ زمن بسيط نسبيا ً وأقلعت بأعمالها ضمن أساليب إدارية متفهمة نسبياً لأهمية دورها في المجتمع ، مع اضطرارها للإرتباط – بشكل أو بآخر – مع مراكز قوى مختلفة يمكن لها أن تكون اقتصادية/سياسية أو اقتصادية فقط ، لتحقيق جزء من غاياتها وأهدافها نظراً لتوافق المصلحة في بعض الأمور ، كما تقوم ببعض الجهود الاجتماعية أو البيئية التي يتم تسليط عليها الأضواء بشكل منظم وممنهج – حملة "ياسمين دمشق" أو حملة "تنظيف الشاطئ" على سبيل المثال (وقد تتحول بالنتيجة الى شبه تنظيم ، يتم توجيهه وجهوده العملية تحقيقاً لمصالح معينة وبشكل غير مباشر ؟ ).
أما الثالثة ، فلا تزال قيد التأسيس رغم تقديم بعضها للطلبات منذ فترات طويلة ، قد يكون التأخير في الموافقة لسبب واحد أو لعدة أسباب مجتمعة ، رغم وضوح أهدافها وغاياتها ورغم وجود مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية والعلمية والسيسية والعمرية والجنسية ضمن هيآتها التأسيسية ، وكمثال نذكر الطلب المقدم من /33/ مواطن من محافظة حماه لتأسيس جمعية أهلية تعمل في مجال البيئة والتوعية الاجتماعية البيئية تحت اسم "جمعية أصدقاء البيئة"، والتي تجاوزت فترة تقديم طلب التأسيس عن سنتين.
وكملاحظة لا يمكن تجاوزها ، فقد تتم الموافقة على البعض منها المحصور ضمن بيئة جغرافية محددة وفقاً لاعتبارات معينة.
هذا جميعه ، عدا عن المنظمات والجمعيات التي ترتبط مباشرة بجهات اعتبارية أو وصائية ، والتي يتم تقديم الدعم الكامل لها ، مادياً أو معنوياً ، دون أن تؤدي واقعياً ، عملاً تطويرياً فاعلاً صحيحاً تجاه المجتمع والوطن ، سوى عدداً جد محدود منها ممن تمتلك علاقة رابطة حتمية مع جهات خارجية دولية ، كالصليب والهلال الأحمر مثلاً.
لا يحق لنا بالطبع إغفال النيات الطيبة الموجودة ضمن بعض الجمعيات والمنظمات العاملة ، والتي لا تزال تحاول تحقيق ما هو مطلوب ومأمول منها ، وضرورة دعم وتقديم ما يمكن من المساعدة لتلك الجمعيات التي لا تزال تعمل بصدق يداً واحدة من جميع أعضائها ، لكن المفارقة والمأساة تكمن بأنهم يعدون بمثابة استثناء ، وقد يتحولون إلى ما يطلق عليه اسم "المغضوب عليهم"...
وللأسف فإن الواقع يقول صراحة : أن الاستثناء منطقياً ، لا يمكن له أن يصبح قاعدة بأي حال من الأحوال....
والنتيجة : لا يزال الكلام كلاماً ، والشعار شعاراً ، وكما يقول المثل الشعبي"
خضّ المَيْ وهيّ مَيْْ "...

8/9/2005
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon