حليب الرقة الإنسانية

خاص: نساء سورية

يبدو فيلم "حليب الرقة الإنسانية" للمخرجة دومينيك كاريرا الذي عرض في المركز الثقافي الفرنسي من الاستثناءات السينمائية القليلة التي استطاعت مقاربة موضوع المرأة المتزوجة العاملة بحساسية عالية.

يبدأ الفيلم ب "كريستيل " امرأة في منتصف العقد الرابع وأم لثلاثة أولاد أصغرهن طفلة لم تتجاوز الستة أشهر  تتلقى اتصالاً هاتفياً  تتحدث فيه  بكلمات مفتاحيه لما سنراه فيما  بعد من مثل ثلاث أولاد.. عمل متعب.. مترافقة مع صوت ماء يخرج من حنفية وعندما تغلق كريستيل السماعة نكون أمام باب حمام ينزل من شقه الأسفل كمية من الماء توحي أن الحمام قد طاف  بالماء أمام هذا المشهد وبشكل لا يمكن فهمه مباشرة نرى كريستيل و قد تركت المنزل حتى دون أن تفتح باب الحمام ويتفاقم الموقف لدينا عندما نعلم أن طفلتها الصغيرة التي لم تتجاوز الستة أشهر مازالت في الداخل في حوض الاستحمام بالذات ومن الممكن أن الطفلة قد تعرضت للغرق .
هذه اللحظة الاستثنائية هي جوهر الفيلم.  
يعود الأولاد إلى المنزل ويدخلون إلى الحمام فيجدون أن أختهم ما زالت في حوض الاستحمام غير متأذية فالحنفية المفتوحة كانت على المغسلة  بعيدة عن الطفلة.
تتصل كريستيل بزوجها مدعية أنها في بيت أهلها ويطمئنها على الفتاة لكن قلقها لا يتبدد فهي ما تزال مقتنعة أنها  تسببت في قتل الطفلة.
 فتعود إلى المنزل ولكنها لا تستطيع دخوله فتدخل بيت جارتها لزيارتها لدقائق فتطول الزيارة لعدة أيام عند هذه الجارة اللطيفة.
 يعلم الزوج أن كريستيل غير موجودة عند بيت أهلها فيظن الظنون ويبدأ ارتباك حياته فقد بات مسئولا عن أولاده الثلاثة ويبدأ  بحثه عن زوجته منطلقاً من مكان عملها فنكتشف معه  كم هو مرهق هذا العمل وكم كان يجهل الجهد الكبير المبذول فيه.
في مشهد معبر تصحو الجارة في اليوم التالي لتجد أن كريستيل قد سبقتها إلى المطبخ وأمامها صحن مليء بالحليب تقول كريستيل إن هذا هو حليب الطفلة الذي ينزل من صدرها  هذا الحليب الذي ستجمعه في البراد منذ هذه اللحظة.
عند عائلة من أصدقائه  لم ينجبا يدع الزوج الطفلة لفترة قصيرة فتهتم هذه المرأة بهذه الطفلة وتحبها وتتعلق بها  ونتعاطف معها عندما يعود الأب لأخذ الطفلة و نكتشف كم هي رقيقة وجميلة هذه المرأة ككل الأمهات بالرغم أنها لم تنجب.
 في بيت الجارة نكتشف الوضع النفسي الصعب  لكريستيل الناتج عن الإرهاق الكبير نتيجة العمل المتواصل في المنزل والمعمل مولداً حالة هروبية من ضغوط لم تعد أعصابها قادرة على احتمالها ودور لم تعد  قادرة على القيام به بنجاح.
تستطيع الجارة بمساعدة طبيب الاستدلال إلى مواطن الخلل وتعاون كريستيل كي تتصالح مع نفسها عائدة في النهاية إلى منزلها لتكمل رسالتها.
يتمتع الفيلم بحس أنثوي عالي في مقاربة الشخصيات ومشبع بالتفاصيل الصغيرة عن النساء وعن حبهن للحياة وكم علينا أن نقدر دورهن كأمهات في عالم معاصر يتطلب منها أن تكون حاضرة في سوق العمل فتقودنا المخرجة  لتقدير هذا التفاني ونصفح لبعض ما يمكن أن تقوم به نتيجة إجهادها.
قدم الفيلم لغة سينمائية معبرة وحنونة اقتربت فيها الكاميرا من الشخصيات حتى لامستها واستطعنا بدون مواعظ الدخول إلى جوا نيات امرأة عاملة بدقائقها  في سينما بسيطة غير متكلفة  دافعت فيها المخرجة عن مشاعر امرأة عاملة بشكل مقنع مؤكدة أن أنجح دفاع عن القضايا المحقة يمكن أن يكون  بأبسط الأدوات.


  


التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon