ظاهرة القتل بدافع الشرف هي إحدى أشكال التخلف التي يعاني منها المجتمع العربي عموماً ويجب القول أن أسباب هذه الانحرافات متعددة. وأذكّر بالإحصاء الذي قدمته اليونسيف في الأسبوع الماضي معلنة أن 70 مليون عربي لا يزالون أمين. وإذا كان الأمي لا يطلق إلا على من تجاوز الخامسة عشرة ولم يتعلم القراءة والكتابة، معنى ذلك أن أكثر من ثلث العرب لا يزالون أمين وفق إحصاء اليونيسيف، هذا رقم مخيف بالطبع! من هنا فإن المطلوب هو استنفار حقيقي لكل قوى المجتمع في التنوير والتجديد. في الجانب الديني أعتقد أن الموقف الإسلامي واضح. وهو أن من قتل نفساً كأنه قتل الناس جميعاً. ولا يوجد هناك شيء باسم جرائم الشرف، والذين يرتكبون هذه الجرائم ليس لهم عقل ولا شرف ولا دين. إنما نتحدث عن الجرائم التي ترتكب باسم الدفاع عن الشرف، وهنا نقول بأن هذا اللون من الجرائم فيه ثلاث مخالفات شرعية ظاهرة وكل واحدة منها تعد من أكبر الكبائر. الأولى: أنه اثبات لحدّ بغير نية شرعية. ولا حدّ بدون بينة، ومعلوم أن البينة الشرعية تقتضي أربعة شهود بشروط صارمة تجعل من المستحيل إثبات هذا اللون من الجرائم عن طريق البينة. الكبيرة الثانية: وهي الافتئات، ومعناها إقامة الحدود عن طريق الأفراد وهذا حرام شرعاً. وهو من الكبائر، فلا يجوز شرعاً إقامة أي حد إلا عن طريق ولي الأمر الشرعي. الكبيرة الثالثة: هدر دم المسلم بغير حجة، وقد قال رسول الله (ص): " لو أن أحدكم هدم الكعبة حجراً حجراً لكان أهون على الله من قتل مؤمن". وهنا نقول المادة 584 من قانون العقوبات تجاهل هذه المادة الشريعة واختارت أن تجامل التخلف والبعد عن الدين، فنصت على إعذار القتلة بالعذر المحل حين تتوفر لديهم هذه الدوافع، والحق أن هذه مخالفة لمسؤولية القانون الذي يفترض أن يقود الناس إلى مكارم الأخلاق وأحكام الشريعة بالنصوص الواضحة. وهنا فإنني أؤكد تماماً أنني مع إلغاء هذه المادة بالكلية، وهي تتضمن أيضاً مخالفة شرعية حين تفرق بين الرجل والمرأة في العقوبة، فتضمن على أنه من فاجأ زوج أو أخته بالفعل الفاحش فقتله فإنه يستفيد من العذر المحل. ولا شك أن هذا التميز بين عقوبة الرجل والمرأة مخالف للشريعة، ولم يقل أي فقيه من الفقهاء بهذا التفريق في العقوبة بين الرجل والمرأة. وأعتقد بأن إلغاء المادة هو أقرب لروح الشريعة وأدعى إلى حقن الدماء والتزام أحكام التشريع بإقامة البينات وإسناد إقامة الحد والعقوبة لولي الأمر دون سائر الأفراد ومع ذلك فإن القضاء الشرعي يمكنه أن يستفيد من القاعدة الشرعية: ادرؤوا الحدود بالشبهات. إذا قامت لديه قرائن بأن مرتكب القتل كان فاقد لوعيه أو في حال تشبه ذلك. ويكفي اعتماد هذه الحكمة العاملة لتحقيق العادة وفق القضاء الشرعي. أما تخصيص العذر المحل، والمخفف لنصه القانوني فإنني أعتبره مجاملة للتخلف والتزمت ومجافاة لروح الشريعة التي نصت بوضوح على خلاف ذلك عندما قال رسول الله(ص) لثابت ابن قيس: "البينة، أو حداً في ظهرك". ومن المعلوم أن الشرع فرض عقوبة على القاذف. وهو من يتهم شخصاً بالزنا دون بينة. وهي ثمانين جلدة. فإذا كانت هذه عقوبة من يتحدث بالسوء عن إمرأة أو رجل بدون بينة فكيف ستكون عقوبة من يمارس القتل بدون بينة؟!
د. محمد حبش، عضو مجلس الشعب السوري، رئي مركز الدراسات الإسلامية بدمشق
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon