"التحرش الجنسي" واحد من كوابيس المرأة الجزائرية العاملة منها والطالبة الجامعية، يحضر يوميا بحياتها وبشكل مؤذي، برغم القانون الذي يجرمه
والذي تم سنه خلال السنوات القليلة الماضية لردع المتحرشين بها وحمايتها من هذا الإعتداء الذي لا يظهر للعيان، بل تحضره غالبا الضحية والمتهم ولا ثالث لهما. لهذا فتحت وطأة التحرش الجنسي تعاني جزائريات كثيرات في صمت مطبق خوفا من الفضيحة في مجتمع لا يرحم، ويشهر بالمرأة قبل حتى أن يفصل فيما إذا كانت متورطة أو ضحية، ومن لم تخف من الفضيحة فهي تفكر وتمعن التفكير قبل أن تطرق أبواب المحاكم.
المعاناة الصامتة هن كثيرات : طالبات جامعيات وموظفات أو عاملات بالقطاعين العمومي والخاص، أصبح مكان الدراسة أو العمل يشكل كابوسا بالنسبة لهن وفضاءا قاتما ضاق بهن لأنهن تقضين فيه ساعات وهن محاصرات بنظرات خبيثة وكلمات مساومة تهمس بحميمية وقحة في آذانهن رغما عنهن.هن يقضين في هذا المكان ساعات تبدو طويلة جدا وهن تحت الحصار الجسدي والتهديد إما بالطرد من العمل بالنسبة للعاملات أو الرسوب بالنسبة لطالبات الجامعة، في حال رفضهن الخضوع والإمتثال للأوامر...أوامر ليست إدارية وإنما شهوانية. كل هذا كان ولا يزال يحصل في صمت لأن المجتمع الجزائري على غرار باقي المجتمعات العربية، المحافظة شكلا، تحكمها قوانين دأبت على تجريم المرأة لمجرد شبهة ظالمة أو إشاعة مغرضة. أما إذا وصل الأمر للقضاء وفي قضية أخلاقية فهذا يعني في الكثير من الحالات التشهير بالمرأة والحكم عليها وعلى سمعتها حتى لو دخلت للمحكمة بصفتها شاكية ومتظلمة. ثم إن حكم المجتمع يصدر حتى قبل صدور حكم العدالة نفسها. تقول ليندة 43 سنة / سكرتيرة لدى مدير عام بشركة عمومية " منذ أزيد من ستة أشهر أعيش حالة قلق وتوتر دائمين بسب تصرفات مديري الدنيئة وبحكم أنني سكرتيرته الخاصة فأنا أقضي ساعات معه كل يوم في المكتب أقضيها في التفكير في إختلاق طريقة لتجنب نظراته الوقحة جدا ومحاولاته الدائمة للمسي.مما أثرسلبيا علي فحتى عندما أدخل بيتي لا أتخلص من العصبية وكثيرا ما يعود ذلك سلبيا على ابنتي اللتين لا ولي لهما ولا مسؤول عنهما غيري " ولعل الحاجة وضرورة العمل والمسؤوليات العائلية هي التي تفرض على المرأة الخروج للعمل وتحمل ظروف قاسية. حيث تواصل ليندة (وهو اسم مستعار بطلب منها) " قبل مجيء هذا المدير لم أكن أعاني أبدا، فالمدير السابق كان إنسانا محترما جدا معي،على عكس المدير الحالي الذي وصلت به الوقاحة لأن يعرض علي أن أكون عشيقته، ومقابل ذلك لن ينقصني شيء كما يمكنني أن أستفيد من العلاوات، وأن أتغيب متى أشاء بشرط أن أستجيب لندائه متى أراد " سألت ليندة عن ردة فعلها وهو يعرض عليها ما عرض فقالت " كنت أسمع عن هذه المساومات لكن لم أكن أتصور يوما أن أكون الهدف لأن مديري السابق لم يتجاوز يوما حدوده معي " تصمت محدثتنا ثم تستطرد " أحسست أن شريانا ما سينفجر، وأن ضغط دمي قد إرتفع، ورغبت لو أقبض عليه بيدي وأخنقه،رغبت بأن أصفعه وأبصق عليه لكنني في الأخير تراجعت وأنا أتذكر أنني أم لبنتين وزوجي المتوفى والمسؤولية الملقاة على عاتقي " وقبل أن تكمل ليندة حديثها تجهش بالبكاء وبعد أن تشرب كوب ماء وتسترجع أنفاسها تستأنف الحديث أو بالأحرى الفضفضة سألتها عن السبب وراء عدم لجوئها للعدالة خاصة مع ظهور قانون يجرم تصرفات مديرها، تقول بأنها لم تعلم بذلك إلا مؤخرا وهي حاليا تفكرجديا في اللجوء للعدالة. " لقد أخذت بعين الإعتبار كل العادات والتقاليد التي تربيت عليها في هذا المجتمع خاصة وانني أرملة، لكن المجتمع لم ينفعني ولا رد علي ظلم مديري لي وبعد أن رأيت كرامتي وشرفي مهددين لهذا قررت أن أدافع عن نفسي وليتحدث الناس عني كما يشاؤون." ليندة ليست الأولى ولا الأخيرة وظاهرة التحرش الجنسي وإن أصبح اليوم الحديث عنها جائزا في الجزائر إلا أن ذلك لا يعني أنه تم حل المشكل فالظاهرة تمتد لسنوات وسنوات ولهذا فلا يكاد يوجد مكان تشتغل به المرأة إلا وكان هناك تهديد لشرفها.و إن ظل ذلك كما سبق الذكر في صمت.
في الجامعة/ مقايضة الجسد بعلامات النجاح: لا يمكن أن نتحدث عن هذه الظاهرة بالجزائر دون التوقف عند الجامعة الجزائرية أين أستشرت الظاهرة بشكل جعل الحديث عن النقاط وعلامات النجاح كالحديث عن المقايضات وإن كان التعميم غيرجائز على كل الأساتذة الجامعيين الذين يظلون محل إحترام وتقدير لما يقدمونه إلا أنه لا أحد يمكنه نفي سلوك التحرش عن عدد من الأساتذة الذين أساؤوا لمكانة الأستاذ، حيث كثيرا ما تناولت الصحف الجزائرية قضايا أخلاقية تورط فيها أساتذة جامعيون وفي هذا يقول السيد لزهر شريف عضو المكتب الوطني للإتحاد العام للطلبة الجزائريين وهو أحد أقوى التنظيمات الطلابية بالجزائر وأبرزها على الساحة " ظاهرة التحرش الجنسي موجودة بالجامعة الجزائرية بما فيها الأحياء الجامعية للبنات، ولا أحد يمكنه نفيها والدليل ما نسمعه وما نقرؤه في الصحف، وعلى سبيل الذكر لا الحصر منذ سنة ظهرت قضية المدير الجهوي السابق للخدمات الجامعية بالجزائر العاصمة الذي كان يتحرش بمقيمات جامعيات، وهي قضية تم نشرها في الصحف، بالإضافة لقضية طالبة أخرى من كلية العلوم السياسية بالعاصمة التي تقدمت خلال شهر جوان من السنة الماضية بشكوى للإدارة تتهم فيها مدير الحي الجامعي الذي تقيم فيه بالتحرش بها جنسيا وبعد أشهر تم تنحية المدير لكن لأسباب أخرى لا علاقة لها بالشكوى المودعة من قبل الطالبة. " وفي معرض تصريحاته الخاصة لموقع بوابة المرأة، يأتي السيد لزهر شريف على ذكر المداهمة الأخيرة لأحد الفنادق بولاية قالمة من قبل عناصر الأمن أين تم ضبط أستاذ جامعي رفقة إحدى طالباته مؤكدا " أن مثل هذه الأمور تحدث بالجامعة وكثيرا ما نسمع عن طالبة يخبرها أستاذها في منتصف السنة الجامعية (بأنها لن تنجح وستدخل للإمتحانات الإستدراكية)، كوسيلة للضغط عليها للإستجابة له " ويؤكد نفس المتحدث أن " الطالبات تحجمن عن تقديم شكاوي رسمية لسببين، الأول خوفا على سمعتهن، والثاني لخوفهن على مستقبلهن كطالبات لأن القوانين اهنا لا تشكل سندا قويا لصالح الطالبة إذ لا أحد بإمكانه التدخل ليفرض على الأستاذ أن يمنحها العلامة التي تستحقها، على الأقل لأن له السلطة في تحديد الإجابة الصحيحة والكاملة، والدليل الطعون الكثيرة التي تودعها الطالبات بإدارة الجامعة لكن لا أحد ينظر فيها." التحرش الجنسي وإن ظل من المسكوت عنه في الدوائر الرسمية بالجامعة الجزائرية وإن ظل الإعتراف به متباينا تباين عقليات وشخصيات المسيرين إلا أنه في أوساط الطلاب وبالأخص وسط الطالبات يعد أمرا يتم تداوله بشكل شبه يومي خصوصا مع إقتراب مواعيد الإمتحانات " فسهل الحصول على العلامات دون تعب بمجرد الإستجابة لنظرات وكلمات خارجة عن مضمون المحاضرة. "تقول نجوى الفاتنة التي التقيتها أمام قسم الإعلام والتي أبدت عدم إهتمام بالموضوع الجدير بالذكر أن هناك من الطالبات من لم تعد تبذل جهذا في الإجتهاد والمراجعة طالما هناك طرق أسهل للنجاح. وكما لا يمكن تعميم سلوك التحرش على الأساتذة فلا يمكن أيضا تعميم موقف الإستجابة على كل الطالبات. وهنا تقول أمينة "عمري 23 سنة أدرس سنة ثالثة حقوق رسبت سنة لأنني ببساطة رفضت المواعيد الغرامية التي كان يضربها لي أستاذي الفاضل، لا أحد من عائلتي يعلم بالأمر، فقط صديقاتي. ولحسن حظي أنه لم يدرسني خلال السنة التي تلت". وإن فضلت أمينة التنازل عن سنة من عمرها، ومثيلاتها كثيرات، فإن أخريات رضخن للأمر الواقع سواء إختصارا للطريق أو هروبا من شبح الرسوب، بينما لا تزال أخريات لحد الآن تعانين من المساومة وهناك أستاذ ينتظر منهن الاجابة بنعم وإلا فإن النجاح سيصبح صعب المنال.
معاناة قد تتحول لإنهيار عصبي ظاهرة التحرش الجنسي لا يقتصر وجودها على الجزائر فحسب لكن ذلك ليس من شأنه أن يخفف الأثر النفسي الذي يلحق بالمرأة الجزائرية التي تقع ضحية لهذا الفعل، حيث تقول السيدة فوزية بوجريو أستاذة علم نفس عيادي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم علم النفس بجامعة عنابة " عندما لا تكون المرأة المتحرش بها جنسيا راضية بالأمر، فأن الأمر يصبح مطاردة،و الإحساس بالمطاردة قد سبب الإنهيار العصبي، خاصة إذا كانت ظروف المرأة لا تسمح لها بمغادرة مكان العمل أو الدراسة فإن بقيت تحت الضغط قد تصاب بانهيار، وإذا كان بإمكان المرأة المغادرة أو الهروب فإنها تصبح حذرة في علاقاتها حيث ستظل التجربة السلبية راسخة بذهنها وبداخلها. وفي حال كانت المرأة الطالبة أو العاملة ذات شخصية هشة غير متماسكة أو ضعيفة فسيؤثر ذلك كثيرا عليها في المستقبل فقد يصل بها الأمر لرفض الإرتباط مثلا أو الإمتناع عن إقامة علاقة لأنها سترى في كل الرجال صورة عن الرجل الذي تحرش بها جنسيا والذي بسببه كونت صورة جد سلبية عن الرجل. وإن وصلت لتكوين أسرة فقد لا ينفع معها تغيير المكان أي أن تغيير الوضعية لن يؤِدي بها لتغيير فكرتها وإنطباعها لهذه الأسباب وغيرها والتي تعد من نتائج تعرض المرأة للتحرش الجنسي طالبت أول لجنة وطنية نسائية مهتمة بشؤون المرأة العاملة بالجزائر، والتي ظهرت للوجود خلال شهر مارس من عام 2002، طالبت في مراسلة رسمية لوزارة العدل الجزائرية بتجريم التحرش الجنسي. ويذكر أن هذه اللجنة التي تنضوي تحت لواء الإتحاد العام للعمال الجزائريين الذي يعد أقوى وأعرق التنظيمات العمالية بالبلاد ومن خلال النشاط الميداني لعناصرها الذين تغلغلوا في كل فضاء مهني تتواجد به المرأة إتضح لهم أن من أهم الموضوعات التي تشغل بال الجزائريات العاملات وتشكل هاجسا حقيقيا بالنسبة لهن هو التحرش الجنسي مما جعل اللجنة التي كانت ولادتها عسيرة لكونها الأولى من نوعها في الجزائر تتشاور مع أهل الإختصاص من محامين وأخصائيين في علم النفس لتخرج في الأخير بالوثيقة التي أرسلتها لوزارة العدل والتي تضمنت توضيح لظاهرة التحرش الجنسي وأعاده ومدى خطورة آثاره على المرأة خاصة العاملة وبالموازاة أوجدت نفس اللجنة مركزا للإصغاء ومساعدة ضحايا التحرش حيث خصصت منذ سنة 2003 رقما خاصا للإتصال والتبليغ والتوجيه والتضامن مع الضحايا. كما سجلت اللجنة تحركات أخرى مكثفة عبر تنظيم ندوات جهوية لتوعية المرأة العاملة بإشراف النقابيات وبمرافقة إعلامية منتظمة تمكنت من خلالها من كسر جدار الصمت حول موضوع كان وبالأمس القريب من المواضيع الممنوع الخوض فيها. بالجزائر وفي نفس الإتجاه عملت جمعية " نجدة النساء في شدة " منذ سنة 1992 على استقبال النساء ضحايا هذا الإعتداء في مركز تابع للجمعية الحاضرة بقوة في مجال الدفاع عن المرأة المتضررة في الجزائر، وتتوفر الجمعية على مركز استماع قانوني وسيكولوجي تلقى فيه المرأة يد العون من قبل أخصائيين حيث يوجهونها ويسدون لها النصيحة لتواجه وتقاوم محنتها. الجدير بالذكر أن هذه الجمعية تقوم " بتأمين الدراسة لأطفال النساء ضحايا العنف وتتوسط لضحايا التحرش الجنسي لدى أسرهم قصد إعادة إدماجهم " حسب ما جاء في خطاب للسيدة حواسين حسيبة رئيسة ديوان الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة ومن جهتها أعلنت وزيرة الثقافة والإتصال السيدة خليدة تومي منذ قرابة الثلاثة سنوات عن تخصيص الوزارة لخط هاتفي لتلقي شكاوي النساء ضحايا هذا الفعل المشين والمؤدي.
وأخيرا التحرش الجنسي... جريمة لم تضع جهوذ اللجنة الوطنية المهتمة بشؤون المرأة العاملة وباقي الجمعيات مثل " نجدة المرأة في شدة " هباءا حيث كللت مساعيهم بتجريم التحرش الجنسي الممارس ضد المرأة بأن تم تعديل قانون العقوبات الجزائري بإدخال مادة تنص على إعتبار (التحرش الجنسي من جانب أشخاص في مناصب ذات سلطة جريمة يعاقب عليها بالسجن مدة تقرب من عام، أو عامين في حالة تكرار الجريمة). وبالتالي أصبح ينظر إليه كجريمة قائمة بذاتها،مستقلة عن باقي الجرائم الأخلاقية.كان ذلك منذأواخر العام 2003 وتتابعت بعدها الخطوات ومراحل التقنين مع ذلك لا يوجد نساء كثيرات يلجأن للعدالة فالمرأة الجزائرية لا تزال في الكثير من مناطق البلاد تخشى الفضيحة وتبذل جهذها كي لا تكون حديث العام والخاص وإن كانت قد ربحت معركتها مع القانون لا يزال الطريق أمامها طويلا لتربح معركتها مع المجتمع لتتخلص من مركب النقص وعقدها التي تكونت طيلة أزمنة طويلة من الخوف والخضوع والإذعان في مجتمع ذكوري للرجل فيه سلطة طبيعية يكتسبها بمجرد إطلاقه لأول صرخة عند ميلاده.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon