أذكر الألم الحاد الذي كان يقطع أمعائي وأنا أنهي رواية "معراج الموت" لممدوح عزام، وحلم كل ليلة بعد قراءة تلك الرواية، كنت البطلة التي تأكل زجاجا مطحوناً في الطعام، كانت أمعائي تتقطع وعيوني تحمر، وأتخيل لوهلة القتل الهمجي المنظم الذي تعرضت له البطلة، ورغم أن فيلم اللجاة وهو الشريط السينمائي الذي تحولت إليه الرواية "اللجاة" بإخراج السوري رياض شيا لم يكن يحتمل تلك الفظاعة حتى نهاية الموت المأساوي للمرأة العاشقة على يد عائلتها وباتفاق مضمر بينهم، إلا أني عدت بمشاهداتي البصرية نحو وجه المرأة التي تموت ببطء وحقد، بعد ذلك لم يتسن لي زيارة تلك المنطقة من الجغرافيا السورية والتي تدور فيها أحداث الرواية إلا في زيارة لصديقي الكاتب نفسه صاحب معراج الموت، ولم أكن لأتخيل ان ذلك الشعور سينتابني في أول ردة فعل على زيارتي المكان: ألام حادة في المعدة. وربما كان من القدر المحتم على خيالاتنا أن تكون محكومة بفكرة الدم والقتل، فاالنساء اللواتي يقتلن بجريمة الحب ما زلن هنا يقتلن، وما زلن يشتهين الحب والموت على درجة واحدة من الشبق، وإلا فكيف نستطيع المضي باتجاه واثق المعرفة، كلي الاخلاص نحو تلك القتامة المفرطة في تكوين ثنائيات الموت والموت؟! هذه المرة القتل لم يكن في رواية ولم تكن في شريط سينمائي مسجل رغم أننا وحدنا نحن الكتاب صناع السراب، ومجد الحكي، نعرف أن حروفنا هي غبار الواقع، ولكن الجغرافيا هي الجغرافيا كانت تفصلني عن ألام تلك الحادثة التي تبين أنها حقيقية كما روى لي الصديق الروائي، فقد قتلت عائلة ابنتها، لأنها احبت رجلا، وبطريقة الزجاج المطحون نفسها. القتل أيضا هذه المرة لم يكن خافياً على أحد، ولم يكن خجولاً! القتل كان وقحا واضحاً تحت عين الشمس، ولم ينتظر القتلة أياما وشهوراً ليخفوا ما فعلوه، كانت القصة عادية، تحدث في سوريا دائما، و في أي مجتمع عربي. الفرق أننا لم ولن نصمت هذه المرة عن جنون الدم الذي يتواطأ الجميع على صمته الأن. أحبت هدى ابوعسلي وهي فتاة جامعية، من الطائفة الدرزية شابا خارج طائفتها، هربت وتزوجته، كما يحدث دائما، وكما حدث، وكما سيحدث، ولكنها لم تكن تدرك أن العرس الذي سينتظرها سيكون مختلفاً، فبعد أن أقنعها أهلها أنهم سامحوها، على مافعلته من اقتراف الحب، جاءت الصبية لتزور أمها وهناك بين أحضان أمها وأخوتها ذبحت كأي حيوان، ذبحت وأطلق أهلها والجيران الزغاريد فرحا بمحو العار عنهم، لم يكن القتل هو الجديد، فنحن النساء نقتل كل يوم في هذا المكان المظلم. ولانموت أبداً. كان العرس الذي أقيم حول جثتها هو البقية الباقية من همجية مستقرة في العقول والقلوبماتت الصبية! عاشت الحب قصيرا ورقدت بسلام، كما فعلت كثيرات غيرها في منطقة السويداء العنيدة في الحب والعنيدة وفي القتل. هي الأن ترقد بسلام بعد أن سلبت منها حياتها، فقط لادانتها بجريمة الحب. بعد قليل من الأن الأخ القاتل سيخرج من السجن مرفوع الرأس، لأن القتل كان تحت شعار جرائم الشرف الذي ينص الدستور السوري على تخفيف الحكم بالقاتل اذا كان القتل غسلا للعار، وكأ هذا القانون والمجتمع يشجع على الدم والقتل، ألم يحن الوقت للنظر جدياً في ما آل اليه مجتمعنا من حضيض؟ يتشدقون عن حرية المرأة وما وصات اليه من تطور في المجتمع السوري! عن أي تطور يتحدثون؟ ألم تحن الساعة التي يجب الاقرار فيها؟! إن ما يحكمنا من قوانين في أحوالنا الشخصية قائم على تكريس فكرة التخلف والهمجية،وأي قانون هذا الذي يحاسب امرأة ناضجة تزوجت بإرادتها وعلى طريقتها؟ أي قانون الذي يستمر على نفس الطريقة التي مشى عليها العثمانين قبل مئات السنوات عندما كانوا يحتلون البلاد. هل ستمر هذه القضية كما مرت غيرها من قضايا ؟ فقبل شهر قتلت امرأة أيضاً في مدينة حمص، وقبل شهرين قتلت طفلة في الحادية عشر من عمرها لنفس الأسباب أيضاً في منطقة الغاب. والى متى سيقتلون النساء في هذه البلاد. ثم يأتي القانون ويحمي ظهور القتلة؟! القتلة الذين يتنفسون بيننا وينشرون الكراهية باسم القانون؟! ويقتلون الحب.. ويمارسون الفضيلة الكاذبة؟!
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon