العنوسة من ثمار الفقر

في السعودية، أكدت إحصاءات صادرة عن وزارة التخطيط أن ظاهرة العنوسة امتدت لتشمل نحو الثلث من الفتيات السعوديات في سن الزواج

في السعودية، أكدت إحصاءات صادرة عن وزارة التخطيط أن ظاهرة العنوسة امتدت لتشمل نحو الثلث من الفتيات السعوديات في سن الزواج وأن عدد اللاتي تجاوزن سن الثلاثين بلغ نهاية العام 1999 مليون و529 فتاة. وقد ناقش مجلس الشورى السعودي في أكتوبر/ تشرين الاول 2003 سبل حل المشكلة، فأصبح عدد العوانس 231 ألفا كما قالت صحيفة ‘’الجزيرة’’ وذلك وفق أحدث إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية [1].
أما في الإمارات، فإن 68% من الفتيات عوانس (ما يعني أن في كل بيت إماراتي عانساً) حيث 170 ألف فتاة ‘’تخطين سن الثلاثين’’ سنة 2003 [2]. وفي الكويت وقطر حسب إحصاءات رسمية بلغت النسبة 30% وفي البحرين 35%.
أما أسباب العنوسة فهي متفاوتة أيضاً من مكان لآخر، وكثيراً ما يتبادر إلى الأذهان أن السبب هو اختلال العدد بين النساء والرجال، وأن الحل هو بالتعدد وهذه نظرة سطحية جداً وموروثة من دون إعمال النظر فيها وفيها الكثير من العاطفة الذكورية، فكما نرى أن الاختلال في العدد لا يحدث إلا في حال الحروب وكما رأينا أن الإحصائية في البحرين لصالح النساء ومع ذلك مازالت المشكلة موجودة، ثم انه عند إيجاد الحلول ينبغي التوجه بنظرة مجتمعية كلية لا فردية، ففي التعدد حل لواحدة في مقابل تفكيك أسرة، والواقع يشهد بذلك، وهل من العقل أن تهدم بنياناً مكتملاً بمرافقه في سبيل وضع لبنة لبنيان لم يقم بعد؟ ثم إنه في حال التعدد غالباً وغالباً جداً ما ينصرف من يريد التعدد لفتاة صغيرة فيها كل ما هو أفضل من زوجته، أي ليست عانساً وبذلك يفوت الفرص على الشباب الذكور الصغار في الحصول على مثل هذه الفتاة، في حين تبقى العوانس على حالهن وعندما يعدد ينصرف كلياً إلى الجديدة، وغالباً تشترط عليه طلاق الأولى فيرمي أسرة بكاملها وراء ظهره فيكثر الشقاء المجتمعي بدلاً من تقليله.
من أهم الأسباب في الدول الخليجية هو ‘’غلاء المهور’’ وكلف الزواج الباهظة، ولكن هذا العامل قد انتهى في البحرين تقريباً، فلم يعد هناك غلاء في المهور في الشريحة الكبيرة للمجتمع البحريني. فالمهور ثابتة في حدود 100 دينار مع 500 دينار كلفة الضيافة وأحياناً من دونها، والمهر أقل أيضاً بل وكثيراً ما يتم خصوصاً في الأوساط الدينية التخلي عن المهر أخذاً بقول الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه (خير النساء... أقلهن مهراً).
أما الدول الخليجية فإن هذه المشكلة مازالت قائمة وبقوة حتى أن رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن نهيان وقد سمي بحكيم العرب لكثرة حله لمشكلات شعبه من عنوسة وفقر وبطالة وإسكان، يقال إنه جمع رؤساء القبائل والتجار الكبار واستضافهم في إحدى الجزر وأحضر معه وسائل الإعلام وفي جلسة ودية ودردشة فاجأهم بمشروعه أمام وسائل الإعلام حيث طرح مشكلة فكرة تكوين ‘’صندوق الزواج’’ ثم سألهم واحداً واحداً عن المبلغ الذي سيساهم به في المشروع وحدث المشروع الذي ساهم بدرجة كبيرة في خفض نسبة العنوسة، حيث شجع الشباب على ترك الزواج من الأجنبيات لأنه لا يحصل على منحة الصندوق المكونة من 40 ألف درهم قبل الزواج و30 ألفا بعده إلا إذا تزوج إماراتية وكان ذلك في العام .1992
أما في البحرين، فإن من أهم الأسباب هي مشكلة الفقر من جهة وغلاء المعيشة من جهة أخرى زاد ذلك العولمة الاقتصادية والخصخصة، فكثير من الشباب رواتبهم لا تتجاوز 150 ديناراً ويعيل غالباً أسرته فكيف يفتح بيتاً؟ ولا يستطيع إكمال دراسته الجامعية لعدم تمكنه من دفع رسوم الدراسة وإن أكملها فعدم وجود الوظيفة الملائمة، وأما الاستفادة من الخدمات الإسكانية فعليه الانتظار حتى تذهب زهرة شبابه. فاقم هذه المشكلة التجنيس الذي سحب كثيرا من الوظائف والخدمات الإسكانية للمجنسين ويبقى الشاب لا تقبل به الفتاة بهذه الظروف زوجا إلا إذا كانت مضطرة، كأن تكبر وتشرف على العنوسة أو تكون مطلقة أو أي عيب آخر يجبرها على التنازل، أما إذا كانت ذات صفات مرغوبة فهي لا تتنازل غالباً، وتنتظر المناسب لها وهم قلة مما يؤدي بها إلى العنوسة، وهي تعزف عن الزواج بأجنبي حتى لو كان كفؤاً لها ورغبت فيه لأنه لن يجنس وأولادها لن يجنسوا والفقر هذا خلق مشكلات اجتماعية كثيرة وهذه نتيجة طبيعية وصدق الإمام علي عليه السلام حين قال ‘’إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك’’ و’’لو كان الفقر رجلاً لقتلته’’ و’’ما رأيت نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضيع’’.
****
جريدة الوقت - 6 يونيو 2006


بوابة المرأة في البحرين

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon