التعليم هو العقدة.. وهو الحلّ!

تعد استثمارات العالم العربي في تطوير مناهج التربية والتعليم متواضعة مقارنة، حتى مع البلدان النامية. وما تم استثماره في نظام التعليم لا يواكب متطلبات سوق العمل، ولم يمهد الطريق أمام مسايرة الثورة المعلوماتية، علاوة على ان معدلات الامية لا تزال مرتفعة.
 هذا ما توصل إليه أول تقرير مفصل نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وتضمن توصيات بإدخال إصلاحات جذرية للحيلولة دون مزيد من التهميش للعالم العربي.
فقد تطرق الخبراء الساهرون على إعداد التقرير، إلى تقييم الانظمة التربوية العربية الحالية، واضعين الاصبع على نقاط الضعف والخلل، ومقترحين جملة من الإصلاحات الواجب اعتمادها على وجه السرعة، لكي يتجنب العالم العربي كارثة التهميش في عالم يعتمد أكثر فأكثر على المعارف والتكنولوجيا.
 
ضعف فادح في الاداء
على الرغم من الجهود التي بذلها العالم العربي في ميدان التربية والتعليم منذ منتصف القرن العشرين، أي بعد استقلال معظم الدول العربية، لازال مستوى التعليم دون معدل معظم البلدان النامية. فنسبة الأمية بين البالغين، وإن انخفضت من 60% إلى 43% في منتصف التسعينات، فإن التقرير يرى أنها عادت للارتفاع وأن العالم العربي دخل القرن الحادي والعشرين بعبء أكثر من 60 مليون أمي، غالبيتهم من النساء. ومن المتوقع ألا يستطيع العالم العربي القضاء على أمية الرجال قبل 2025، أما بالنسبة للنساء، فسوف لن يكون ذلك قبل 2040.
فقد رفعت الدول العربية نسبة الملتحقين بالمراحل التعليمية الثلاث، الابتدائي والمتوسط والعالي، من 31 مليون في الثمانينات إلى 56 مليون عام 1995، كما يعد العالم العربي افضل من بعض الدول النامية فيما يتعلق بنسبة الدخل القومي العام الذي ينفق على التعليم.
وارتفع الانفاق على التعليم في الدول العربية من 18 مليار دولار عام 1980 إلى 28 مليار دولار عام 1995. ولكن هذه الطفرة في نفقات التعليم بدأت تتراجع مع اعتماد العديد من الدول العربية برامج إصلاح هيكلي ادت الى تخفيض الانفاق على الخدمات العمومية.
ويرى تقرير الأمم المتحدة أن الانظمة التربوية العربية تفتقر إلى التنوع والى الجودة التي تسمح للطالب باقتناء المعرفة الضرورية للخلق والإبداع، والقادرة على مساعدة الدول العربية على الخروج من دوامة التخلف. وما هو أخطر في نظر معدي التقرير كون هذا النقص في جودة التعليم قد يهمش العالم العربي ويجعله عاجزا على مواكبة التطورات التكنولوجية والمعلوماتية في العالم.
ويحذر تقرير الأمم المتحدة من مخاطر تجنب رداءة مستوى التعليم في العالم العربي باللجوء إلى تفضيل معاهد القطاع الخاص مما يعمل على خلق نظامين متوازيين، نظام تعليم خاص لأبناء الأغنياء القادرين على دفع الرسوم، ونظام تعليم عمومي هزيل لذوي الدخل المحدود.

الاصلاح ضرورة ملحّة
للخروج من المأزق الذي يمر به نظام التعليم في العالم العربي، يقترح تقرير الأمم المتحدة العمل على ثلاث مستويات:
- أولا، توسيع رقعة المستفيدين من التعليم بإيصال نسبة الالتحاق بالمدارس بالنسبة للتعليم الأساسي إلى حدود 100% وتعزيز فرص التعليم المتواصل بالنسبة للكبار، للسماح برفع مستواهم الدراسي باستمرار. وحتى يستفيد الجميع من جودة التعليم يقترح التقرير، خصوصا فيما يتعلق بالتعليم العالي الباهظ التكاليف، فرض رسوم على القادرين على الدفع، وتمويل دراسة الطلبة من ذوي الدخل الضعيف عبر الهبات او مساهمة الشركات الخاصة في التمويل.
- ثانيا، تعزيز التفاعل بين قطاع التعليم وسوق العمل، إذ من أجل صياغة نظام تعليم يفي بحاجيات المجتمع، يجب إشراك مختلف مكونات المجتمع في تحديد خصائص هذا النظام. وفي هذا الإطار، يوصي التقرير بعدم اقتصار صلاحيات وزارة أو وزارتين على التحكم في صياغة معالم النظام التربوي في البلدان العربية، بل يجب إشراك كل الوزارات المعنية، إضافة إلى ممثلي القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما قد يحل مشكلة التمويل في نفس الوقت ومشكلة بطالة حاملي الشهادات العليا. وفي هذا الإطار، يشير التقرير إلى تقصير البلدان العربية في ميدان التكوين المهني، إذ أن هذا القطاع "بقي بعيدا عن متطلبات سوق العمل ومتطلبات ورش الانتاج"، ولكي يكون ميدان التكوين المهني ملبيا لحاجيات سوق العمل، يجب مراجعة أساليب التكوين باستمرار وجعلها تدمج آخر الأساليب التكنولوجية المبتكرة.
- ثالثا، يدعو التقرير الصادرة عن برنامج الامم المتحدة الانمائي وجامعة الدول العربية، إلى إصلاح نظام التعليم على المستوى العربي وبإشراك المؤسسات الساهرة على قطاع التعليم في إطار الجامعة العربية. كما ينصح التقرير بضرورة ان يتصدر إصلاح التعليم باستمرار جدول أعمال القمم العربية وأن تساهم في إثرائه منظمات المجتمع المدني. ويرى معدو التقرير أن هناك عدة مجالات للتعاون العربي، خصوصا في قطاع التعليم العالي والنشر وتكوين الأساتذة، كما يمكن تحقيق تكامل بين البلدان العربية الغنية وذات الكثافة السكانية القليلة، والبلدان العربية الفقيرة والكثيرة السكان.
 
تخلف في البحث العلمي واقتناء التكنولوجيا
ومن القطاعات التي يرى تقرير الأمم المتحدة أن العالم العربي يعاني من ضعف كبير فيها، قطاعا البحث العلمي واقتناء التكنولوجيا الحديثة.
فقطاع البحث العلمي المرتبط عضويا بمرحلة التعليم العالي، لم يستقطب عام 1996 أكثر من 0،4% من مجموع الدخل القومي العربي العام، مقارنة مع 1،26 % في كوبا، و 2،35% في إسرائيل، و2،9%في اليابان.
كما أن العالم العربي الذي يفتخر بماضيه العلمي الذي استفادت منه الإنسانية، لم يعد يُذكر في الإحصائيات الدولية إلا بفضل ابتكارات ونبوغ أبنائه المغتربين في الدول المصنعة. لذلك، يوصي التقرير بتغيير قواعد اللعبة وتعزيز حقوق الإبداع والاختراع وربط أواصر الصلة بالعقول العربية المغتربة وتهيئة الظروف لعودتها للعمل في المنطقة العربية.
أما في مجال تكنولوجيا الاتصالات، فالعالم العربي يأتي في مؤخرة الترتيب العالمي من حيث إمكانية الاتصال بشبكة الانترنت، وهذا على الرغم من ان الدول العربية تملك معدلات مرتفعة من اجهزة الكمبيوتر، مقارنة مع مناطق نامية اخرى، باستثناء امريكا اللاتينية.
ومن الأسباب التي يوردها التقرير لضعف الربط بشبكة الانترنت، المراقبة السياسية المفروضة على الشبكة، وكذلك عدم الاهتمام بمحتوى الشبكة، نظرا لكون أغلب ما يعرض فيها هو باللغة الانجليزية التي لا تتقنها الغالبية من سكان المنطقة.
ومن التوصيات التي قدمها التقرير في هذا الإطار، تشجيع إنشاء مواقع باللغة العربية وتحويل نظم الإذاعة والتلفزيون والتصوير إلى نظم رقمية يمكن عرض برامجها على شبكة الانترنت.
لكن التوصية الأساسية لتشجيع الجمهور على استعمال الانترنت في العالم العربي، تتعلق بتخفيض النفقات التي لا تزال مرتفعة، وتشجيع إقامة مراكز متكاملة للاتصال، مثل مدينة الانترنت في دبي التي سمحت بربط المؤسسات والمدارس وبيوت الخواص في الإمارات بالشبكة العالمية.

10/9/2005
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon