كمال الصليبي، وُلد في بيروت 1929، درس في برمانا وبيروت ولندن. عمل أستاذاً زائراً لعدة جامعات في أميركا وانكلترا. دكتور التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت حاضر في مادته لستة وأربعين عاماً.
من يريد كتابة التاريخ فليتعلم كيف يقرأ اللغة
غادر منذ عقد إلى عمان وأشرف على تأسيس المعهد الملكي للدراسات الدينية في الأردن،وعاد إلى بيروت منذ عام ونيف. نشر كتابه "التوراة جاءت من جزيرة العرب" في 1985،الذي طرح فيه نظرية التغيير الجغرافي لمكان ظهور التوراة. أصدر الصليبي ثلاثة كتب طوَّر فيها نظريته، وهي: "خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل"، و"حروب دولة داوود"، و"تاريخانية إسرائيل التوراتية" الذي صدر باللغة الإنجليزية تحت عنوان : " The Historicity of Biblical Israel". وحين ألف كتابه "البحث عن يسوع" قيل إنه يريد كتابة انجيل جديد. وفي آخر كتاب ألفه "طائر على سنديانة"، وهو سيرة ذاتية روى فيها مشاهدات وروايات كما سمعها تماماً دون أن يخضعها لأي تحليل. * طرحت في كتابك "التوراة جاءت من جزيرة العرب" نظرية أن المكان الجغرافي للتوراة هو الجزيرة العربية ، كيف تقبلَ المؤرخون هذه الاطروحة ؟ ** لم يتقبلوه لكن هناك من تقبله ولم يكتب رأيه،ومنهم جادلني في التفاصيل، لكن علماء التوراة كانت ردة فعلهم عنيفة ضد الذي طرحته، في البداية هاجموه هجوماً شديداً من دون أن يأتوا بما يمكن أن يثبت عكس ما طرحت وأعتقد أن الهجوم كان شخصياً وكان التصور لديهم أنني جلست ولفقت كلمات،وكل ما كتب تقريباً كان سلبيا.ً وعلى المستوى الشعبي وصلتني رسائل تأييد لفكرة الكتاب.ومن ناحية أخرى هناك مدارس كبيرة في الغرب تعنى بدراسة التوراة وتصدر المجلات المختصة،وهم يقومون بحفريات منذ مئتي عام وأنا أتيت بمقولة تنسف بناء قرنين يعني إن كانوا سوف يقبلوا بما طرحته هذا يعني أنهم سيتخلوا عن مئتي سنة من العمل. وأيضاً يوجد عنصرية غربية تقول أن التوراة تعني الانسان الغربي ولا تعني الانسان العربي ،وأنا قلت أن كل الحفريات التي قاموا بها في فلسطين نتيجتها سلبية والسبب كان بسيط هو أن حدث التوراة لم يكن في فلسطين إنما كان في مكان آخر وفي الوقت الحاضر أصبح هناك إقرار عام أنه لم يوجد أي آثار لبني اسرائيل في فلسطين إذاً الحدث التوراتي لم يتم أو أنه مضخم، وتوجد بعض النظريات التي تقول بأن التوراة قصة من كتابة شخص. وأبسط ما هنالك أنه لايوجد آثار لهيكل سليمان في القدس الذي يحكون عنه منذ مئتي سنة. * هناك من اتهمك بأنك تريد نقل اسرائيل من فلسطين إلى أراضي المملكة السعودية؟ ** هذه قصتها أن مجلة النيوز ويك ومجلة التايم أتوا واهتموا بالموضوع بعد ظهور الكتاب، لكن في مجلة التايم لا أعرف من تدخل فلم تكتب شيء، والنيوز ويك كتبت باستهزاء عن أن اسرائيل ليس لها دعوة بالوجود الفلسطيني وقالوا للفلسطينيين في الوقت نفسه اذهبوا إلى عسير لذلك استاء الاسرائيليون والسعوديون. وهبت الدنيا بعدها واتهمت بأنني أريد أن آخذ اسرائيل إلى السعودية. * هل لو كانت طروحاتك عممت ووظفت سياسياً كان الوضع تغير؟ ** أنا لم أكتبها لأوظفها سياسياً إنما أنا باحث تبين لي في دراساتي أن مكان الحدث التوراتي في غرب الجزيرة العربية من أقصى الشمال إلى أقصى جنوب اليمن وقد تحمست بعدها أن أدرس الموضوع للنهاية وكتبت عدة كتب منها ما ترجم ومنها ما ترجمته أنا ويوجد كتاب واحد لم يترجم. * قيل إن ما يعيب اجتهاداتك أن معظمها مستمد من اللغة وأنها تحتاج لمن يؤيدها من خلال أبحاث أكثر عمقاً تتخطى حدود اللغة ما رأيك؟ ** هل يمكن للانسان أن يفكر بلا لغة، التاريخ مكتوب باللغة وإن أردت أن أدرب تلميذ على كتابة التاريخ يجب أن أعلمه أولاً كيف يقرأ وينتبه تماماً إلى ما تقوله الجملة وأهم من هذا ما الذي لاتقوله والانسان مثلاً حين يقرأ الجريدة ويجلس ليتذكر ما قرأ يجد أنه إن أراد أن يتذكر حرفياً يجب أن يعود للنص لأن ما تبقى بذهنه يختلف عن الذي قرأه. وعندما نريد أن ندرس تاريخ التوراة يجب أن نقرأ اللغة التي كتب بها وهي اللغة الكنعانية بالشكل المعروف بالعبري، هذه اللغة ماتت وكانت مستعملة حسب ما طرحت سنة خمسمائة قبل الميلاد، من ذلك الوقت لا أحد في العالم كان يتكلم بها وهي غير محركة وكل الترجمات التي ظهرت للتوراة إلى الآن كلها مشتقة من لغة اندثرت ولا أحد يعلم كيف تلفظ وقد حُركت من قبل علماء في القرون الأولى من الاسلام وفي كثير من الأوقات يضعون اشارات إلى أنها ليست واضحة في النص الأساسي. أنا أتيت بها وأعدتها غير محركة كي أستطيع أن أقرأ النص الأساسي لأن النص المحرك ليس له أي معنى. * في كتابك "البحث عن يسوع " أسئلة كبيرة وأولية عن عقيدة يسوع وقد حاولت حل اللغز حول تاريخ يسوع عبر قراءة جديدة في نصوص الأناجيل، هل تعتقد أنك توصلت إلى الحقيقة؟ ** أنا وضعت في الكتاب ماهي العقيدة وماهو التاريخ وقلت أن الانسان إن أراد أن يبني العقيدة على التاريخ لن تكون عقيدة لأنها شيء مختلف فهي صورة ذهنية معينة، والسؤال التاريخي هو من كان يسوع المسيح هل هو عيسى بن مريم أم ليس هو. ويحق للانسان أن يسأل ويستعمل عقله ويعطي جواب لكل سؤال وإن أخفق تكون هذه استطاعته. وحين قرأت الانجيل قرأته باللغة اليونانية وتعلمتها كي أفهم أين يوجد معنى مكسور أو معنى غير كامل وإن كان أحد ما قد تلاعب بالنص وفي هذه الحالة سوف تكون هناك أخطاء في النحو أو في الصرف أيضاً. وأنا أعدت دراسة الانجيل على هذا الأساس والعلماء يعتبرون أن القرآن هو خلطة من التوراة والانجيل، وأنا قلت أن القرآن شاهد وفيه آيات كثيرة عن عيسى بن مريم أكثر من الانجيل فهل ينطبق على ما كتب في القرآن مع ماكتب في الاناجيل عن يسوع ابن يوسف النجار والاسمين مختلفين . حين أتيت بالاناجيل وجدت أن قصة ولادة المسيح في أحد الاناجيل مطابقة لما ورد في القرآن وهذا في مصلحة القرآن وأنا وجدت أن الاناجيل تخلط بين القصة القرآنية وبين الشخص الذي صلب في القدس. وأساس القصة في القرآن أنه يحكي عن النصارى وهو كان منهم وهم الذين كانوا يعتبرون يسوع كبير الأنبياء تماماً كما في القرآن إذاً رواية القرآن هي رواية النصارى لقصة عيسى بن مريم مؤسس النصارى الأول. ويأتي بعدها يهودي يدعى بولص يلاقي في موضع الصليب صورة لحقيقة دينية وليست تاريخية وينسج هذه الصورة بشكل بارع وهي إيمان المسيحيين الذي تربوا عليه. والنصارى كتاريخ انتهى وجوده بعد الاسلام على الأرجح لأنه لم يكن هناك فرق بينه وبين الاسلام وهذا ما توصلت له، ويسوع لم يكن أول إنسان يطالب بالعرش ومن الممكن أن مريم كانت من سلالة الكهنة وأنها أنجبته وهي عذراء وهذه هي الشهادة التي تتطابق مع القرآن ويبدو أن أتباع عيسى بن مريم الذي منهم يسوع بن يوسف النجار أصبحوا فريقاً واحداً يطالب بعرش داوود. * "بيت بمنازل كثيرة" هو كتابك عن دولة لبنان منذ قيامها ومنذ البدء كان هناك تياران الأول عربي والثاني فينيقي وكل منهما يدعي أنه هوية لبنان، ماهو أصل المشكلة وماذا وراء المستور من الطرفين؟ ** هناك طرق كثيرة لفهم الشيء نفسه لكن المهم أن الكل متفق على هوية واحدة فلا تهم اختلاف النظريات، لكن عندما يكون شعب في بلد عمره سبعين سنة يعني ما يزال صغيراً ويوجد وجهتين نظر من الأساس غير متفقتين، الآن تغير الوضع أحدهما كانت تقول لايوجد أي مبرر لوجوده وأخرى تقول أن عمره ستة آلاف سنة. هاتين النظريتين هما سياسيتين ورائهم ما ورائهم فهناك الاسلام والمسيحية ومن أجل أن يقدر شعب بهذا الشكل أن يعيش مع بعضه حياة مشتركة ليس لديه فرصة أن يخترع تاريخاً إنما يجب أن يقبل بتاريخه ومن أجل إعادة تركيب لبنان يجب أن يواجه كل لبناني تاريخه بجرأة. هو بلد مركب من عدة طوائف في بعض الأوقات تتفق مع بعضها وأوقات أخرى لا يتفقوا وجرى بينهم حروب ومعارك وكذب وسرقة كل هذا يجب مواجهته حتى يستطيع الشعب أن يعرف ذاته وفي الوقت نفسه لعلم أن هذا شيء والحياة الوطنية شيء آخر. * كتابك "تاريخ لبنان الحديث" اشتهر وكتب عنه كثيراً وقيل أنه كتب بموضوعية وعمق، كيف يمكن أن تكتب التاريخ اليوم ومن أي حقبة تبدأ هل هناك تاريخ جديد؟ ** التاريخ ليس صحيحاً أو غير صحيح إنما هو خيال مصطنع والحقيقة التاريخية لاتكتب وهي تشبه الكاميرا التي تصور في الشوارع ومليون حدث يجري في الدقيقة ماذا نلحق أن نصور منها وهذه الأحداث يوجد منها ما هو مرتبط مع بعضه وأكثرها غير مرتبط ، وعندما نأتي إلى كتابة التاريخ فإننا نختصر كل هذه الأحداث الصغيرة التي تشكل حقيقة كما يراها خالقنا، وهذا لا يكتب لأنه إن كتب لا يقرأ فلا معنى له وعمل المؤرخ والتأريخ هو الملاحظة والمقابلة وهو يرى المجريات الهامة في مجرى التاريخ وكيف تسير الأشياء ويفحصها على هذا الأساس. وامتحان التاريخ أن يكون مقنعاً أو غير مقنع وممكن أن يقتنع بعض الأشخاص بما كتبت وممكن أن لا يقتنعوا وربما إن راجعت سبب ذلك أجد أنه كان لدي هنا غرض خفي جعلني أكتب الجملة بطريقة من دون أخرى وإن غيرت كتابتها تصبح مختلفة إذاً الاختبار هو مقنع وغير مقنع وليس صحيح وخطأ. * في لبنان أصبح اليوم التاريخ سياسي بسبب ماجرى منذ ثلاثة عقود مضت فلم يعد هناك تأريخ لذاكرة لبنان سوى الحرب ما هو التأريخ الآخر؟ ** التاريخ يسير ولا يتوقف ومن الجائز أن يصبح جيد إلى درجة أن لا يعود لدينا تاريخ ويجوز أن يتعثر وعندها يصبح لدينا تاريخ كثير ولكن على الأقل هناك تأريخ لتولي الحكم و التعيينات وهذا التاريخ الممل هو الحياة السعيدة. * كتابك الأخير "طائر على سنديانة" هو سيرة ذاتية بعد عمر من تأريخ أزمنة الآخرين، كيف استطعت أن تكتب تاريخك الشخصي بهذا الشكل الموضوعي؟ ** أنا لست مؤرخاً في هذا الكتاب إنما مخلوقاً بشرياً وكل ما أعرفه تاريخياً لن أضعه إنما سأضع ما رأيت في ذلك الزمن وماذا أتذكر دون أن يكون قال لي أحد، وأول فصلين كانا عن تاريخ العائلة ولم أكتفِ بما سمعت لأنني لو أردت أن أعيد النظر بما سمعت يظهر لي أن ما سمعته خطأ. لكن أنا أردت أن أشارك القارئ بخبرة إنسانية وجودية بما أتذكر وكيف حللته في وقتها وهذا يختلف عن كتابة التاريخ. مثلاً وقت الاستقلال والرجوع من راشيا وصفت ما رأيت من أن الرئيس ورئيس الوزارة يحيون الجماهير ولم يكن وقتها ذلك صحيحاً وكانوا مجموعة أخرى من الناس ويقومون بشيء آخر لم أصحح إنما كتبت ما فكرت به ذلك اليوم. وأذكر أن لبنان وسوريا الذين كانا يعتبران آخر بلدين في الشرق الأوسط من الممكن أن يستقلا أصبحا أول بلدين مستقلين استقلالاً تاماً من دون شروط وعندما عدت إلى المنزل سألت والدي وأكد لي ذلك في وقتها.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon