.... إن الغاية الأساسية من طرح قضية مسرح الأطفال هي ليست التنظير لما هو موجود، إننا في الحقيقة نتطلع إلى ما هو أبعد مما حققه العاملون في هذا المجال، لا لشيء.. فقط لموازاة أحلام الأطفال حين يرتادون المسرح؛ فالمسرح باعتباره الفن الذي يقتضي "التعبير في المكان" هو الوحيد القادر - أيضاً - أن يتيح للوسائل السحرية التي يتقمصها الفن والكلام أن تتحقق عضوياً وبتمامها، وبالتالي علينا البحث عن لغة تحتمل التعبير الحركي إضافة للتعبير الصوتي "الكلمات" فكل ما يستطيع المسرح انتزاعه من التعبير الصوتي "الكلام" يضيف إلى مساحته امتداداً وتأثيراً مميزاً، شريطة أن يتم ذلك دون تفكيك بنية العمل المسرحي، أي أن نعطي المخيلة حقها من التجريب، علماً أننا مهما أسرفنا في ذلك فإن أقدام خيالنا لن تجوس الأرض البكر التي ما فتىء خيال الأطفال يزرعها أحلاماً. من هنا كان تنويهنا أننا لا نتحدث عن لغة المسرح السائدة، بل الممكنة ليتخذ المسرح مكانته بين الحلم والواقع، فقضية مسرح الطفل هي قضية صقل ردود فعل الطفل أولاً؛ أي شحن المعرفة التي تكمن وراء هذه الردود بموادها الأولية، فسحر المسرح يكمن في الأستحواذ على مخيلة الطفل، من هنا يصبح كل شيء ثانوياً، والمهم هو العمل على تطوير شخصّية الطفل، فالطفل باعتباره إنسان كامل الإنسانية، ويجب أن يعامل على هذا الاساس، من المفترض في المسرح أن يزوده بهدف، وهذا الهدف مرهون بحضور العرض المسرحي مباشرة، وإلاّ تكون النتائج أقل مما نتأمل إذا تمت مشاهدة المسرحية عن طريق التلفزيون مثلاً، لذلك نجد في اللغة الفرنسية ان كلمة "حضور مسرحية" تعني "مساعدة في العرض" فحضور العمل المسرحي، والتفاعل مع الممثلين، والإيمان بالحديث الذي يجري على المسرح مفاتيح للمشاركة المسرحية هذه المشاركة هي التي تطور إدراك الطفل الاجتماعي والمعرفي إضافة إلى الدور الترفيهي في حياة الطفل السيكولوجية، إذ أن المسرح قادر على طرح جميع أنواع المواضيع دون أن يشعر الطفل أنه في حصة مدرسية، هذا إذا أدرك الممثلون خاصية الاتصال بجمهور الأطفال، حتى أن ستانيسلافسكي قال: " من الضروري أن نمثل للأطفال، كما هو ضروري أن نمثل للكبار، ولكن تمثيلنا للأطفال ينبغي أن يكون أفضل " ومرد ذلك إلى الثمن الذي ندفعه إذا أخفقنا فهو يفوق الثمن الذي ندفعه في حال إخفاقنا مع الكبار، فالإخفاق في المسرح الموجه للأطفال يدفع الطفل لأن يأخذ موقفاً سلبياً ليس من المسرح وحسب، بل ربما يتعداه إلى جميع الفنون " فالمقاييس العليا ضرورية لأن موقف الطفل تجاه المسرح في المستقبل يتحدد من خلال تجربته الأولى مع العرض المسرحي". وإننا إذ ندرك أن الطفل هو طاقة كامنة؛ علينا أن نوجه هذه الطاقة لتؤهله إلى أن يكون الوريث الشرعي للمستقبل، ولهذا التوجيه طرق شتى، ووسائل متعددة إحداها المسرح، وهو من أهمها أيضاً، علينا أن ندرك ذلك، وأن نسعى لتحقيقه.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon