بين التربية والتلقين.. مَنْ المُخاطَبُ في أدبِ الأطفالِ؟

خاص: "نساء سورية"

من نافلة القول أن أبدأَ منوِّهاً بأنني أعني بأدب الأطفال كُلَّ ما يكتب للأطفال أو عنهم؛ بل وحتى ما يكتب من نقد أدبي عن ذلك الأدب الموجه لهم أو عنهم، أو دراسات تعنى بالتربية والسلوك في تعامل الكبار مع الأطفال.
ليس فتحاً أن أقول: إن الطفل ـ ككائن مكتمل القدرة على التلقي ـ يتأثر بالبيئة من حوله، لكن اللافت للنظر أنَّ كثيراً ممن يتوجَّهُ إلى الطفل يبدو وكأنه يتوجه للبيئة ـ كلِّ البيئة ـ يلقنها كيفية التعامل الأمثل مع الطفل.
فإذا أدركنا أننا لا نعدو مجرد كائناتٍ بيئيّةٍ من حول الطفل ؛ مثلنا في ذلك كمثل الشارع والجدار والسرير واللعبة والقطة.... إلخ ـ بالنسبة لمدركاته على أقل تقدير ـ ؛ ألفينا المتوجه إلى الطفل يعني الأهل والمعلم وسائق حافلة الروضة.
ولعلَّ من البساطة أن يدرك الإنسان المتلقي ـ أو المُلَقَّنُ ـ ما يطلب منه في كيفية التعامل الأمثل مع الطفل فيستجيب سامعاً مطيعاً، لكن من يستطيع أن يجعل زهرة تتلون بالشكل الذي يسرق ابتسامةً من شفتي طفلٍ؟!
أم من يستطيع جعلها تفوح عبيراً تتفتح له رئتان صغيرتان تحت ضلوع غضة؟!
(إن الطفل يولد مرتين، أولاهما ولادة عضوية "بيولوجية"، وثانيهما ولادةٌ ثقافية، حيث يتحول في الولادة الثانية إلى كائنٍ ثقافي.
ومع أن الولادة البيولوجية ترتبط بعوامل وراثية إلا أن الولادة الثقافية تحصل بصورة تدريجية ومستمرة، وهي عملية معقدة ويساهم فيها كثير من الوكالات الاجتماعية إضافة إلى الجماعات الأولية)1.
فإذا كانت البيئة ـ باختلاف مفرداتها ـ تشكِّلُ الملهم الأول للطفل ؛ فإن البيئة الثقافية هي الأَوْلى بالمخاطبة، وينبغي أن ينصرف التوجه إليها، وذلك بالتسليم أن الطفل كائنٌ ثقافي دائم التلقي.
وليس بالضرورة أن يكون للثقافة في بيئة الطفل ذات معناها في قاموس الكبار ؛ بل ينبغي بالضرورة ألاّ يكون لها ذلك المعنى، إذ أن الثقافة فيما يعني الطفل أشمل وأوسع أبعاداً، حيث هي التعامل مع الحياة بكلِّ شموليتها.
فهل سيُخاطَبُ الطفلُ فيعي الخطابَ، أم سيُخاطَبُ مخاطِبُه فيعي المخاطبة؟!!
ذلك رهنٌ بالمخاطِب الأول الذي هو الأديب، وبمقدرته على الارتقاء بفكره وبأسلوبه في الخطاب.
1 - ثقافة الطفل- د. هادي نعمان الهيتي- سلسلة عالم المعرفة- العدد 123، الكويت 1988.

27/8/2005
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon