ماريّه..

خاص: نساء سورية

...لم ينتهِ غيفارا في حقول القمح بل تعشّق حبّة قمح ينتظر الولادة، كانت وحدها "ماريّه" تعلمُ ذلك، كانت تتردّد عليه في حقول القمح كلّ صباح لتخبره كم بقي من وقت الحبل، و تقبّل وجنته كلّ إشراقة شمس.
هل يعلمون كم انتظرت لقاءكِ.. كم أنا مشتاق لصدركِ يا "ماريّه".
… تلك "القبّرة" تحاول نسج عشّها من أريج عرقه، فكانت البيادر وحدها من احتوت روحه، رحلة الميلاد تبتدئ على يدِ حبّة قمحٍ بعمر تموز، وجبينها يحمل جلجلة يسوع، وتحتوي روحك يا "غيفارا".
احتوته بيادر المحرومين تعدُ بالغلال، تعلو الأرض لتعلنَ السنابل في كلّ الحقول، ويأمل المحرومون يوم القطاف آتٍ، فهي السنابل تلوح للشمس كلّ نهار، تمتلئ جيوبها بنسيج الأرواح، تتراكض الحقول كلّ فجرٍ باتّجاه الشروق، ويقف ببهائه قبالة صبا بيادر الكون يسألها:
· هل تبقين تلك الفلاّحة الساذجة التي تدلّ على نور الشمس تتّهمه بصداعها؟.
- أشتاقُ لكَ يا "غيفارا"..
· رأيتُ الحصّادين مئات المرّات يأتون الحقل ويعودون دون أن تصلني نغمات مناجلهم، هل يكذبون عليهم يا "ماريّه"؟..
- يرسمون من الزهر أكاليل قحط وعبوديّة.. لكنّ الشمس مازالت تُشرقُ كلّ صباح.
· ماريّه.. يبدو لاعلاقة للشمس بنهاراتنا!..
- إنّنا على الموعد ننتظر.. والغد آتٍ قريب..

كلّ المياه تغزل جداولها في الحقل لتطال جذوعنا هامات الغدِ، وكان كلّ يوم يأتي الغدُ ليقولون لنا هناك غدٌ آخر، فيصير قدوم الغدِ هدفاً لكلّ يوم يمرّ، ومازال خيال الجداول يسقي الحقول، وكلّ غدٍ ساعةَ يأتي يكون لـه غدٌ قادمٌ، كلّ يوم يقولون شهور الحمل محدّدة، وهي الشمس تحدّد نهاية الحمل، لم تتعب من النهوض كلّ صباح، إلاّ انّها مدّة الحمل باقية ثابتة لم تتغيّر حتّى أمسينا كلّ صباح نعود لتعداد السنوات من جديد.
· اشتقتُ لصدركِ يا "ماريّه".. اشتقت لملاعبه.. لتنهّداته وعرقه.. متى تدعينني أُعيد قراءة نهديكِ من جديد؟.. بي توق لمداعبته، لعبق رياحينه وياسمينه..
- انّهم يرونه ضرعاً، يغرزونه بمخالب اسنانهم، يجعلون منه الحراب التي تجزّ الأبدان والأنفس، بل وبوّبوا أشكال العبادة منسوبة اليه، لاهو أطعم طفله المحروم، ولا المحرومون استطاعوا إعلان حاجتهم له.

· ماريّه.. كان الوعد أن تكوني فيء المحرومين، وجزع المتعبين، وان يلتصق ثديكِ بشفاه المحبّين!..
- كلَّ مرّة لم تتدخل به أمريكا كان يتدخّل الربّ في تغيير الأشكال، لكنّ المضمون واحد لايتغيّر يا "غيفارا".
· منذ سنوات، قبل أمريكا ومنذ أجيال أنتِ تنتظرين.. ألم يحن الوقت ليعلنها صدركِ يا "ماريّه"!؟..
- هل تعلم لمَ حبلتُ بكَ يا "غيفارا".
· أعتقد أنا من أحببتكِ وتعشّقتُ صدركِ!.. انا من كوّز قبّتيه.. أناملي أنبتت شموخه.. وبات صدركِ شموس الكون ورحم المواليد..
- تعال لانختلف على إرادة الميلاد..
· لكنّ بيادر الكون تمتلئ بالسنابل ولا حصاد!..
- هل تعبتَ يا "غيفارا"؟..
· بل اشتقتُ للولادة يا "ماريّه".. اشتقتُ لأيادي المحرومين تجمع حروفي.. اشتقتُ لقلوب الشبّان تخفقُ في صدركِ وترتشف حلمتيه.. اشتقتُ..
اشتقتُ لزنود العمّال يحتضنون جسدي الى مزاره الالهيّ، الى صدركِ.. فهو جسدي بقي يحتوي البيادر، وهي روحي بقيت تحتويها حبّات القمح، وبي شوق كي أغطّ بين ثدييكِ في نومٍ عميق دافئ. ماريّه.. لمَ الصمت.. كلّما اقتربنا أكثر نكتشف انّنا نبتعد، وهي طرحة السنابل يسبكون منها التيجان، وتشرئبُّ على عيدان جلجلتها مرابع الصالات، ومن مدادها ينسجون أشواك أواخر الشهور،..
فاصبحتُ أسأل من أنتِ.. ماريّه.. لمَ لاتجيبين!!؟؟..

منذ ان نذرتُ روحي لإنبات القمح، وأنا أجد مهمّة جديدة كلّ مطلع شمس أظنّها الأخيرة، قبل ان أتفرّغ للتفتيش عن صدركِ، لكنّ غاية التفتيش باتت هدفاً أعيش لأجل الوصول لبدايته ولاأجد سبيلاً لأنّ الخفافيش تُثقلُ كاهلي..
· نحنُ مُستهلكون.. والمُستهلك لايستطيع ولوج مطارح الولادة يا "ماريّه"..

قال الكثير، لكن لم تعد تسمعه "ماريّه"، فقد استدعيت الى البلاط، لتبقى غاية المحرومين وأملهم، وكم هي اللعبة التي يمارسونها قميئة، لأنّهم يعلمون كم نحتاجكِ يا "ماريّه"، تجدينهم يسدلون الستائر المخمليّة فوق جسدكِ، وينصبّون من مزاريكِ منارات المواخير، التي لاتتناسب ونوع أكفّنا، ودائماً يضعونكِ في المكان الذي يفرض ومنذ البداية قدريّة الطلاق بيننا وبين صدركِ يا..
يا ماريّه…

تنبّهوا كم تستطيع أكفّه توليد الشموس، استدلوا على جسده الملاك، انّهم يقصدون المكان بنعوشٍ من سبكِ دكاكينهم، انّما عاد.. يعود "غيفارا" للحقول والبيادر، يصرخ ومايزال:· انّهم يسرقون أعمارنا يا "ماريّه"..

20/8/2005
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon