مشروع مواطن

خاص: نساء سورية

يميل الطقس للبرودة .. بعض الغيم ينبئ عن مطر محتمل الوقوع.. وزرعي يشقى مبتهلاً للسماء يطلب الغيث.. ساقية المياه التي يتحكّم بدفّتها جارنا "المواطن" لا تروي ظمأ زرعي بلا مقابل، وجيبي خاوياً من "الخزكار" المطلوب. فبات على زرعي أن ينتظر رحمة القدر.
ما بدا جليّاً أنّه حتّى القدر يستوجب توفّر مسبّبات المطر ولا هو يُمطِرُ عبثاً، فلو كانت الحيثيّات الموجبة للمطر متوفّرة كان الغيث.. ولم أكن قد علمتُ بعد ما علاقة التحكّم بتلك الساقية بحيثيّات المطر. كلّ ما كنتُ أعوّل عليه في هذه اللحظة أنّني أودعتُ هذه البذور في أرضٍ خصبةٍ باركتها "عشتار" منذ بدء التكوين.
ومع ذلك بدأ زرعي يلوي عنقه! ؟..
الجميع من حولي يستفسرون لعدم سقاية الزرع ويتساءلون لمَ نمنع عنه الماء لتطرح هذه السنابل غلالها. مع أنّهم يعلمون السبب، وهذا المانع يمثل أمام أعين الجميع.. ومع ذلك يبقى السؤال والتساؤل سيّد الموقف!.
وتابع زرعي يلوي عنقه؟!..
أمسينا في القرن الحادي والعشرين، والبشريّة جمعاء تعتمدُ "الديمقراطيّة". فبدا واضحاً وضع الملامة عليّ أنا صاحب الزرع، فالمطلوب أن أوّفر حيثيّات السقاية بكل الطرق الديمقراطية المتاحة، وما أكثرها..
أمام كلّ هذا العتب بدأت مشواري الديمقراطي لسقاية زرعي على أمل الحصاد. لم أترك باباً من أبواب المواطنين المتحكّمين بالبرك والسواقي والذين تساءلوا مستغربين تركي هذا الزرع يذبل إلاّ وطرقته، وكان الأغرب من الاستغراب أن الجميع فرادى كانوا يعودون بالسؤال لصاحب الساقية عفواً للمتحكّم بالساقية المسؤولة عن سقاية زرعي ليخترع آلاف القصص التي تعطيه الحقّ في منع سقاية زرعي، وكان الجميع يكتفي بردّه دون مساءلة.. في حال ما زالوا وهم مجتمعون يطرحون عليَّ نفس السؤال:
لمِ تدعُ زرعكَ يلوي عنقه؟..
عدتُ أجمع ذهني وأفكّر أين المشكلة.. فأنا وكما قيل لي مواطن، وزرعي ناتج عن بذور سليمة.. والأرض التي أزرع بها خصبةٌ مباركة.. فأين المشكلة؟ فكّرتُ أن أفتّش في معاني الديمقراطيّة. نعم لا بدّ هنا يكمن السبب. أبحرت في التاريخ حتّى عثرت على أوّل استعمال لها وجدتها في اليونانية. على ما وجدتها وردت "ديمو قراط" وحسب تفسيرات الضالعين في الأمر تبيّنت معناها "ديمو" تأتي من "دم" و "قراط" تعني سجلّ والكلمتان سوريتان تعنيان "سجل الشعب". إذاً هي تختلف عمّا أفهمونا إياها بأنّها حكم الشعب. ومع ذلك حاولت الاستفادة من معناها. ولا بدّ أن يستفيد زرعي من هذه الساقية فأنا من هذا الشعب.. ولا يحق لهذا المتحكّم بالساقية منع الريّ عن زرعي لطرح غلاله وتبيان بيادره..
ومع ذلك تابع زرعي يلوي عنقه؟!..
إذاً لا بدّ المشكلة تخصّني.. ربّما لستُ من هذا الشعب.. أو ربّما لستُ "بني آدم".. فكلمة "ديمو" تأتي من "دم" ودم كناية لآدم.. خوّفتني الفكرة بل أرعبتني.. سارعت للمشفى الوطني.. لا لسبب عدم وجود خزكار الطبابة فقط بل لأن استمارتها معتبرة لدى صاحب الساقية. طلبت تحليلاً لدمي.. والنتيجة كانت مفاجأة اكثر ممّا كانت مفرحة، فالنتيجة إيجابيّة.. أنا أحمل دم بني آدم..
إذاً: لمَ ما زال زرعي يلوي عنقه؟!..
وكما هو المثل الرائج "الحق ع الطليان" عدتُ أبحرُ في الزمن وأبحر في ديمقراطيّة اليونان. وجدتُ لدى أحد المبحرين في اليونانية هذا التفسير "للديمقراطية" لديهم:
اليوناني كلّ من كان من أصل سوري لجهة الأم والأب هذه فئة.. والفئة الثانية من كان أبوه سوريّاً وأمّه من سكّان الكهوف كان يدعى "إجريقي" أي ولد زنى حسب السورية وهذه فئة ثانية.. أما البشر البهيميين فهم سكان الكهوف والمغاور وهذه فئة ثالثة.
وكان سجلّ الشعب أي الـ "ديمو قراط" لدى اليونانيّة يقتصر على الفئة الأولى فقط دون غيرها أمّا الباقي فليسوا مواطنين وغير معترف بهم في اليونانية. وهكذا عرفتُ سبب عدم اعتباري مواطناً ولو كان تحليل الدم يثبت أن دمي بشريّ:
وتغيّر السؤال لدي: لم أعد مهتمّاً لمِ زرعي يلوي عنقه. بل بات سؤالي: هل انا مشروع مواطن لم يكتمل بعد؟!..

1/6/2005
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon