ماذا يوحي مصطلح «الأدب النسوي» هل هو ما تكتبه النسوة من أدب هل ذلك الأدب الذي يقابل الأدب الرجالي أم هل يشكل أمام الأدب الرجالي تبعا لكل المفاهيم الاجتماعية منها والفنية والثقافية واللغوية وغيرها،
تنشر بالتعاون مع موقع الثرى
هل يشكل مرتبة دونية بل لماذا يتم عبر شريحة كبرى من المثقفات والمثقفين والكاتبات خاصة رفض هذا المصطلح بحجة أن الأدب أدب، وتلك الصفة «النسوي» أو غيرها إنما زائدة لا شك أن الظروف التي نعيشها في البلاد العربية ووضع المرأة تحديدا، قد أدى إلى هذا الفهم. لكن معرفة مصدر المصطلح ومتابعته في الأدبيات الغربية يجعل من تلك النظرات إليه عمومية بل سطحية وإنما تعبر في أحيان كثيرة عن جهل. ذلك أن الأدب النسوي وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر المجتمع إلى المرأة، تسعى من خلالها إلى كشف وتعرية المنظور الذكوري المترسخ منذ القدم، واكتشاف آليات جديدة تجعل من المرأة كائنا بشريا له منظومته الخاصة ورؤيته، وآلية تفكير ونظر إلى العالم والأشياء. بذلك فهو لا يشكل حالة ضعف أو دونية أو حالة تنويع على الأدب بصفة عامة، بل هو حالة ثقافية جديدة تتناول الأمر من وجهة نظر غير ذكورية بالضرورة بل هو بديل عن الأدب بكل تجلياته وصفاته السابقة، بديل يعنى بشكل أساسي بالمهمش والمطرود والمستبعد قسريًّا من الثقافة السائدة منذ اختراع اللغة حتى اليوم، أو هو وجهه نظر مختلفة عن كل ما سبقها. إن تأصيل هذا المصطلح يستدعي قبل أي شيء إعادة الاعتبار للمرأة في المجتمع، المرأة كأنثى ولعملها أيا كان بشكل أساسي، وهو –الأدب النسوي – ليس قادرا على إعادة الاعتبار للمرأة فقط، بل قادر على تحرير وتخليص الأدب والثقافة بصفة عمومية من كل شوائبه المتراكمة. تسعى نازك الأعرجي في كتابها «صوت الأنثى» إلى تحرير مصطلح الأدب النسوي من الأوهام والنظرات المتسرعة التي سادت بين المثقفات والمثقفين العرب، وتحريره بالتالي من أعبائه في الثقافة السائدة، ومن ثم تقدم تطبيقيا لنتاج عدد من الأديبات العربيات المعاصرات. تدرس نازك الأعرجي في الفصل الثاني، مراحل تطور نازك الملائكة الفكري، ففي عامي 1953و1954ألقت نازك الملائكة محاضرتين في بغداد الأولى عنونها «المرأة بين الطرفين – السلبية والأخلاق» تدعو فيها المرأة إلى التحرر من الجمود والسلبية والثانية بعنوان «التجزيئية في المجتمع العربي» ذات موضوع جريء مفعم بالحيوية وهذه المحاضرة مكملة للأولى. تبدو الملائكة نفسها في هاتين المحاضرتين ضمن منظومة فكرية منفتحة. وتتابع الأعرجي مراحل تطور الملائكة في تغيراتها وصعودها وانتكاسها حتى عام 1965 تاريخ نشر مقالة «العرب والغزو الفكري» التي تعبر بشكل واضح عن منهج غير علمي مغلق على نفسه. فهي وإن بدأت بطروحات شديدة التفرد وكانت الدعوة إلى تحرر المرأة واضحة في بداياتها فقد انتهت بطروحات مناقضة لتلك تناقضا تاما. لا بد من ملاحظة أن الأديبة العربية تتعرض لضغوطات اجتماعية وسياسية تؤثر بشكل شديد على نتاجها من حيث الجرأة والاندفاع والتحرر أو الانتكاس والتراجع والانغلاق. ذلك ما يظهر في الفصل الثالث من الكتاب حيث تقدم الأعرجي لسبع من الكاتبات العراقيات قدمن نتاجهن في فترة السبعينات كـ لطيفة الديلمي وسميرة المانع وغيرهن. لم يتوفر الظرف للكتابة بحرية أو لتقديم نتاج يغوص في أعماق المرأة والمجتمع، فغاب الجسد الأنثوي على سبيل المثال، وقلت بل تلاشت التماسات مع المناطق المحظورة والموضوعات الملحة، بل سعت بعضهن لكبح شخوصهن فوقعت الأعمال في فخ التسطيح. ودأبت الكاتبة المصرية سلوى بكر على تقديم صورة المرأة الضحية بتنويعات كثيرة مقتحمة موضوعات شجاعة، وسعت في موضوعات كثيرة تنتمي إلى منظومة الأدب النسوي إلى كسر وتفكيك البنية الفكرية الذكورية. ويبدو النضج الفكري واضحا في رواية «وصف البلبل» حيث تطرح نموذجا قويا للشخصية النسوية القادرة على الاختيار، فتتقدم هاجر بطلة الرواية في ظروف هيأتها الكاتبة لتقيها من مطبات الواقع والمجتمع وأوصلتها في النهاية إلى بر الأمان حيث يطلب منها يوسف «الزواج»، لقد هيأت الكاتبة بطلتها لتختار واختارت ولكن المبادرة لم تأت منها، ولما صار ذلك الاختيار كان ولكن بنوع من التوفيق والتصالح مع قيم المجتمع الذي حاربته سلوى بكر في كل نتاجها. لقد حمل يوسف «الرجل» زمام المبادرة، مما شكل نقطة ضعف وكان لتهيئة مجرى الأحداث ضمن ظروف مثالية أن أوقع الرواية في مطب الاصطناع. لقد عادت سلوى بكر إلى المستقر الاجتماعي أو وصلت إلى طريق مسدود في إعادة إحياء تلك النماذج في مثل هذه الفضاءات، أو أنها أبقت على خط الرجعة إلى المجتمع خشية النفي كما حدث لشخوصها.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon