الإعلان في المرأة.. وليس: المرأة في الإعلان!

 خاص: نساء سورية 

كلما استيقظت في الصباح الباكر لأنعم بإشراقة شمس هادئة ومطمئنة وأنا أتمعن في أشجار الحور والجوز بينما تفك التصاقها الحميم مع العتمة لتلاقي زرقة الفضاء وبينما أفتح المزياع لأستمع لفيروز يصدمني صوت رجل يصرخ في وجه زوجته: من هو فلان؟ وبعد قليل أكتشف أن فلان هو مادة ما، وهذا الصراخ لم يكن إلا مجرد دعاية وأن ذلك الرجل والحمد لله لن يقتل زوجته التي كانت قبل قليل ترافق قلان ذاك.
تعود أساريري لتنفرج من جديد مصرة على متابعة يوم حيوي ومشرق، وبينما أحضر الشاي الأخضر الذي تعودت على شربه بدل القهوة الصباحية من دون أن أنجو من سخرية زوجي: (ناقصنا مريم نور رقم 2 !) ينهال صراخ رجل آخر على زوجته التي اكتشف أنها كانت تخرج بشكل يومي إلى مكان ما لعدة ساعات، ودون علمه! فيخيل إلي أن جريمة ما ستقع قبل أن تفاجئنا الزوجة بصوتها المطمئن مبررة غيابها في (محل تجاري ما) هو المحل الذي جرت الدعاية له، ليهدأ الزوج مرحباً ومهللاً بما أحضرته زوجته له من ذلك المحل..!
وأقول في نفسي يا لطيف على هذا الصباح..!
تعود فيروز من جديد لتزيح كل ذلك الثقل اللامرئي الذي يطبق على كل شيء بما فيها الحديقة الضاجة بالجوري والحبق. ثم وفجأة وأنا في حالة من حالات الانسجام العصية، يأتي صوت امرأة أخرى أخمن للوهلة الأولى أنها من مسرحيات الرحابنة حتى يتبين أنها تحمل عبوة سائل الجلي الذي جعل منها امرأة عظيمة عاتبة على الجماهير العريضة التي لا تعرف السر الذي يكمن خلف المرأة العظيمة، لتصبح النتيجة أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة وهذه المرأة العظيمة هي ذاتها التي تحمل سائل الجلي (الجليل!).
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الحركة النسائية خصوصاً والمجتمعية عموماً نحو النهوض بالمرأة السورية والعربية لوضع قوانين عصرية وتغيير النظرة الدونية الموروثة للمرأة والتي تصر على إبقاء المرأة مجرد جسد مكبل تحت مجهر الرجل الشرقي، يواصل الإعلام عن طريق الإعلانات التجارية المبتذلة الإساءة للمرأة والحط من مكانتها ووضعها من جديد في مصاف السلع جاعلاً من موضوع الجنس المركز التي تتمحرق حوله كافة الاحتمالات ووجهات النظر الأخرى، مؤكداً على حصرها ضمن إطار العمل المنزلي والاهتمامات السطحية كاللباس والمكياج وآخر التسريحات والعيون الملونة والهوس بمواضيع التنحيف من باب لفت نظر زوجها الذي سيجد بديلاً عنها عاجلاً أو آجلاً.. وليس من باب بناء الشخصية القوية والجميلة والمستقلة المحبة للجمال والحياة. وتتبع معظم تلك الإعلانات أسلوب التكرار المنفر ذاته الخالي من الإبداع والفن والأفكار الجوهرية في تصوير المرأة وعلاقتها بالمجتمع والسياسة والاقتصاد، وذلك بدلاً من التركيز على تفوقها وتواجدها في العمل والمجتمع جنباً إلى جنب مع صديقها وحبيبها وزوجها وشريكها الرجل في حياة حرة وكريمة.
هذا لا يدل فقط على القصور والابتذال الممارس بشكل يومي على صعيد المرأة، والمجتمع بكامله في مجال الإعلان، بل أيضاً على نظرتنا القاصرة والمغلوطة للتسويق والذي قطعت فيه الدول الغربية شوطاً طويلاً نحو احترام المستهلك واحترام السلعة، وقيام مجموعات من المحترفين وشركات الإعلان الضخمة والمتخصصة في هذا المجال بتقديم الأفكار الخلاقة التي تعتمد أولاً على ما يدعى بـ (روح المادة) وثانياً على الثقافة المحلية. والنتيجة هي إعلان بسيط وساحر يجعل الملايين تجلس منتظرة ظهوره على الشاشة الصغيرة.
لذلك لا بد من التوجه إلى الإعلام مؤسسات وأفراداً أولا.. وإلى شركات الدعاية والإعلان ثانيا لعمل شيء مختلف يحمل ملامحنا الشرقية ورؤيتنا المستقبلية المنفتحة في آن معاً..
إشارة: فكرة المرأة العظيمة وسائل الجلي كانت قد أشارت لها الزميلة سوسن زكزك في حديث عابر، وكانت تريد في ذلك الحين أن تكتب زاويتها عن ذلك الموضوع.. .لكنها تأخرت وراحت عليها...

20/5/2005
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon