منَ السّّّّّّّّّّهلِ أن نتحدثَ عن حقوقِ الأطفالِ.. أن نلقيَ المحاضرات، ونقيمَ الندوات، ونعقُدَ الاجتماعات، ونُصدِرَ البيانات، والملصقات، ويومُ الطفلِ العربيِّ، ويومُ الطفلِ العالميِّ، والقائمةُ تطولُ.. دونَ أن يُصبحَ الأطفالُ هدفاً حقيقياً للتنميةِ !! لقد تحوّلت التنميةُ البشريةُ، والاقتصاديةُ، والثقافيةُ، إلى أيامٍ ومؤتمراتٍ، يؤُمُّها المؤتَمِرون، ليلقونَ علينا بياناتهم ويذهبونَ..وتذهبُ توصياتُهُم أدراجَ الرّياحِ !! لدرجةٍ ثَبُتَت معها الأفكارُ، وتحجّرت وأصبحت تلكَ الاحتفاليات لازمةً غنائيةً مَلُّّها السّامعونَ. فالأفكارُ الثّابتةُ،مثلَ تشنّجِ عضلةِ القدمِ، خيرُ علاجٍ لها أن تدوسها، فالطفلُ كما يقولُ مونتيني : ليسَ زجاجةً ينبغي مِلؤُها، بل ناراً يجبُ إشعالها، وهذا الإشعالُ يقتضي منّا جميعاً عملاً، فالبيتُ وحدَهُ لا يكفي، والمدرسةُ وحدها لا تكفي أيضاً، لكلٍّ منا دورهُ، وتختلفُ الأدوارُ باختلافِ الأشخاصِ، فقد وُلدَ بعضُ النّاسِ من أجلِ الآخرينَ،كما يقولُ ماركو أوريليو فليربوهم أو يعانوا منهم.ونحنُ في مركزِ البحوثِ والدراساتِ المستقبليّةِ، انطلاقاً من اهتمامِنا بدراسةِ النماءِ العقليِّ عندَ الأطفالِ والعواملِ المؤثرةِ في سلوكِهم ومن الإحصائياتِ المَيدانيةِ التي قُمنا بها.. ومن التّقصياتِ والبياناتِ والمتابعاتِ،اكتشفنا الأثرَ التراكميَّ للتقصيرِ التّربويِّ والتعليميِّ في حياةِ الأطفالِ. تُرى هل يمكن أن تجريَ الأمورُ بشكلٍ مغايرٍ؟. إنَّ هدفَ المجتمعاتِ الرّئيسيِّ، كما نعلمُ،هو إنتاجُ كائناتٍ إنسانيةٍ.. ولا نملكُ نموذجاً أو مثالاً لهذا الإنتاج،أو أداةً أخرى سِوى الكائناتِ الإنسانيةِ الموجودةِ، ولقد توفرت حقائقٌ علميةٌ كثيرةٌ عن الطفولةِ، إلاّ أنّ الإستفادةَ منها لازالت محدودةً، فهل يكفي أن نحاولَ وضعَ تلكَ الحقائقَ بين أيدي الناس؟ هي خطوة بالاتجاهِ الصّحيحِ، ولكنّ هذا الطريق يحتاجُ لمئاتِ الأقدامِ التي ترسمُ خطاها عليهِ، كيما ترتسمُ ملامِحَهُ، من أجلِ هذا وذاك نرفعُ هذا النداء : شاركونا في رسمِ ملامحِ طريقِ الطّفولةِ، كيما يكون الأطفالُ ورثةُ المستقبلِ،فهم سيرثونَه شِئنا أم أبينا، ولكنّ ثمّة فرق بين من يرثُ الأيامَ القادمةَ بعجرها وبجرها، ومن يرثُ المستقبلَ، فلهذا المصطلحُ دلالاته.. إننا نُهيبُ بكم أن تمنحوا الأطفالَ جِزءاً من وقتِكُم، وحيّزاً من تفكيركم.. أن تجعلوا الواقعَ مكاناً لمساهماتِكُم، وأن تُدركوا أن هذا حقهم عليكم، وواجبكم اتجاههم،فالأطفالُ باعتبارهم منتجٌ اجتماعيٌّ،أي حصيلة مداخلاتٍ ماديةٍ واجتماعيةٍ ونفسيةٍ ودينيةٍ، من جانبٍ آخرِ، يعني أن مشاكلِهُم نتائجَ حصادٍ لتراكماتٍ تاريخيةٍ ممتدةٍ، وينبغي تناوُلها ومعالجَتِها في إطارِ تلكَ الخصوصيةِ، من هنا يأتي حقُّهُم علينا،إذ لا يوجدُ من هوَ أقدرُ على معرفةِ أطفالِنا منّا، فالذي ينطبقُ عليهِم،غيرَ الذي ينطبقُ على الأطفال الآخرين، من أبناء الثقافات الأخرى،إذ ليس من أهداف الإنسان الأساسية الحصول على الثقافة أو تكوين المجتمع على هيئة مؤسسةٍ، بل التواصل مع الآخرين. يقول فرناندو سبابتير في كتابه التعليم والقيم المعاصرة : إنّ التربيةَ الحقيقيةَ، ليست تعليمُ القدرةِ على التّفكير فقط، بل تعليمُ التّفكير فيما يفكّر به الآخرونَ أيضاً. هذه العمليةُ التّفكيريّة، تدلّ بوضوحٍ على وثبتنا التّطويرية وتحتاج منّا إلى تأكيد انتسابنا إلى مجموعةِ المخلوقات المفكّرة، من هنا يبدأ أساسُ الأنسنةِ الفعليّةِ للإنسانِ وللقدراتِ الكافية فيه، فاكتشاف الآخر يؤكد وجود الأول، من حيث أنّ الإنسانية لا يمكن لها أن تمارسَ في العُزلة، ونحن شركاءٌ في التزامنا كآباءٍ وكأمهاتٍ، كمعلمينَ ومعلمات، كمسؤولينَ وأولياءَ أمورٍ، وكراشدينَ على أقلِ تقديرٍ. علينا جميعاً أن نُأكّدَ هذا الإلتزام، قولاً وعملاً، يجبُ علينا أن نُدركَ أنّ أكثر من جهةٍ تسحب بساطَ العلاقة مع الأطفال من تحت أقدامنا، وعلى رأس تلك الجهات يأتي التلفزيون،ذلك الجهازُ العجيبُ الذي اعتدناه.. والمدرسةُ..والأقرانُ.. وأجهزةُ الاتصال والمواصلات.. والسؤال: أين نحن من كلّ ذلك؟ نحنُ نرى أنّ واجبنا مساعدةُ الأطفالِ على تنظيمِ كلّ ذلك، وتقديمِ بدائل عنه إذا اقتضت الضّرورة، وتزويدهم بالأدواتِ المعرفيّة، للأستفادةِ منه أو لتلاقي ضرره، لقد أصبح الأطفال بحاجةٍ إلى آبائِهم وأمهاتِهم أكثرُ من أيّ وقتٍ مضى، شريطةَ أن يتوفر للآباء والأمهات القدرةَ على فهم هذا الإحتياج في سياقه الواقعيّ، وقبل ذلك عليهم أن يُدركوا دورهم في حياةِ أبنائِهم، فالتربيةُ لا تحتاجُ إلى الثقافة بقدرِ احتياجها إلى حسّ المسؤوليةِ،ولا يعني تحمّلُ المسؤوليةِ قبول العالمِ كما هو، بل الإعتراف بوجودهِ بشكلٍ واعٍ، وعندها يمكنُ إصلاحَه، لكي يولدَ المستقبلُ من الضروري.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon