التسامح العائلي وأثره الاجتماعي

خاص: "نساء سورية"

الأسرة نواة المجتمع، واللبنة التي يرتكز عليها وجوده الاجتماعي وطموحاته الحضارية والثقافية، فهي صورة مصغرة عن الدولة بمفهومها المعاصر، وأي خلل في بنية الأسرة ستظهر نتائجه في بنية المجتمع، وحتى لا نتحول إلى كائنات متجاورة، وتفرغ قلوبنا من الحب، وعقولنا من التفكير بالآخر، أياً كان هذا الآخر، سواء كان أباً أو أمّاً، أخاً أو أختاً.. صديقاً...جاراً أو حتى غريباً يحتاجنا، علينا أن نبدأ من العائلة، فمن العائلة تنطلق القيم والمثل، وفيها تترسخ الأهداف وتٌقرأ عناوين الحياة الأساسية،والمقصود بالعائلة كل عائلة وليس فقط العائلات التي تمتاز بكثرة البنين، فالقضية ليست مرتبطة بعدد أفراد الأسرة، بل بالخيوط التي تربط هذه الأسرة أو تلك بالمجتمع، مهما كان عالم هذه الأسرة ضيقاً و مستقلاً، فالعالم اليوم يبدو وكأنه فريسة للتوتر، يمكننا أن نلاحظ ذلك إذا أمعنا النظر بأي من مفردات الحياة اليومية للناس، فالشارع مثلاً لم يعد يمثل الحقيقة المشتركة التي ترتبط بحياة الناس، لقد أصبح مكاناً للسير ليس إلا.. والبيت تحول إلى فندق والعمل والمدرسة والوظيفة والمناسبات الاجتماعية على اختلافها !! والسؤال كيف نستعيد كل ذلك ؟ ونستفيد منه اجتماعياً ؟ بداية يجب أن ندرك أن ذلك، كل ذلك يحدث كنتيجة، والنتائج الاجتماعية لا تتوقف عن الانجاب، أي أنها ستصبح ذات يوم مقدمات لنتائج أخرى، وهكذا... من هنا علينا العودة إلى نواة المجتمع إلى الأسرة، علينا أن نقيّم نمط العلاقة القائمة بين أفرادها، ونغربل مفردات تلك العلاقة لتسقط المفردات الدخيلة، ليس لمرة واحدة في العمر، بل في كل يوم.كتب مكسيم غوركي بهذا الصدد قائلاً " حتى الدجاجة تحب أطفالها، أمّا تربيتهم فهذا عمل ٌ عظيم، يحتاج إلى موهبة ومعرفة عميقة بالحياة ".
وكلمة تربية هنا ليست مرتبطة بسلوك الأبناء وحسب، إنها ذات معنى كليّاً يشمل جميع أفراد العائلة الكبار منهم والصغار على حد سواء، إذ أن الكبار يجسدون فيما يجسدون الواقع العملي من الحياة أمام أطفالهم وتأثير هذا التجسيد العملي يفوق بأثره كل ما يقال نظرياً، إذ لايمكن أن نرسخ في نفوس أطفالنا الصدق إلاّ إذا كنّا قدوتهم فيه في تعاملنا معهم ومع غيرهم على حد سواء.
والتسامح بين أفراد العائلة يقتضي قدراً من التفاهم المتبادل، إذ ليس الإنسان أكيداً من أنشيئاً لن يستطيعه إلاّ الشيء الذي لايفهمه، فالفهم هو الشعور بالمقدرة، وترسيخ صورة المقدرة هذه لدى الإنسان أي إنسان كان صغيرأ أم كبيراً، يجعل منه إنساناً متفهماً يأخذ في حسبانه مسبقاً ظروف الآخر واحتياجاته قبل أن يأخذ منه موقفاً.من هنا بإمكاننا القول: إن العائلة هي صورة مصغرةونموذج عن المجتمع، في هذا النموذج أو بشكل أدق في هذه الخلية الاجتماعية توجد المعايير الأكثر أهمية للعلاقات البشرية المتبادلة أو لا توجد. "و هذه المعاييرهي التي تتحكم بسلوك الإنسان لدى تماحكه مع الآخر، والتسامح بين أفراد الأسرة يرسخ في نفوسهم هذه الطبيعة ويدفعهم لممارستها اجتماعياً، فالعلاقات الاجتماعية ليست مرسومة بالمسطرة، لتتحكم بمقاساتها المليمترات، إنها مرهونة بظروف كل فرد من أفراد المجتمع، من هنا جاء حديث الرسول عليه الصلاة والسلام " إلتمس لاخيك سبعين عذراً " وجاءت القوانين الوضعية المخففة، وجاء النظر بالأسباب ولكن كل هذا لا يصرف على أرض الواقع إلاّ إذا ترسخ التسامح في نفس الإنسان من خلال التربية.

1/2005
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon