هدف تنظيم الأسرة الجمع بين الكم والكيف

هناك احتمالات ثلاثة يجب التفكير بها إذا أردنا ان نجمع بين اهتمامنا بالكم والكيف معا بعد الولادة:
1 ـ إما ان نمنع الحمل. ‏
2 ـ وإما ان نترك الحمول المتتالية تتبع بعضها بعضا، وهذا ما يسمى بالتسيب. ‏
3 ـ وإما ان ننظم الولادات ونترك فواصل بين هذه الحمول لما فيه مصلحة الطفل والأم. ‏
فإما الاحتمال الأول وهو منع الحمل، فهو لا يجوز إلا إذا كان لفترة مؤقتة طويلة أو قصيرة، وهويصبح أمرا ضروريا في حالات الأمراض، منها أمراض الزوج والزوجة المؤقتة، كالتهاب الكلى والتدرن الرئوي وارتفاع التوتر الشرياني الشديد، وأمراض القلب والقصورات الرئوية والامراض النفسية والعصابات، وأمراض الدم، وهناك حالات توجب ايقاف أو منع الحمل مؤقتا عند تكرر الاجهاضات، أو تكرر العمليات القيصرية، وعند اصلاح الجروح الناشئة عن الولادات السابقة كالناسور المثاني المهبلي، أو عمليات الهبوط التناسلي السابقة الخ.. ‏
ويمكن ان نضيف الى هذه الأمراض تلك التي تنتقل الى الجنين كالزهري ومرض انحلال دم الوليد، لاسيما في الحالات التي لا يمكن السيطرة عليها، ونمنع الحمل ايضا عند وجود خطر عقلي أو جسمي على الأولاد، كما في الاسر التي لديها طفلان أو أكثر غير طبيعيين. ‏
وأما الاحتمال الثاني: وهو ان نترك الحمول تتلو بعضها الآخر بشكل متسيب، فهويقودنا الى اخطار فادحة على الأم والوليد، وبالتالي على الأسرة وعلى المجتمع، ومما لا شك فيه ان هذه الأخطار ستزداد مع ازدياد عدد الولادات، فضلا عن الاعباء المادية التي تتكبدها الاسرة. ‏
ولقد أثبتت احدى الاحصاءات ان نسبة موت الأطفال، في حالة ولادة طفل كل سنة، تفوق 50% نسبة موت الأطفال في حالة ولادة طفل كل سنتين. ‏
فالطفل يحتاج الى الرعاية، وإلى تأمين حاجاته العضوية والتربوية والجسمية والنفسية، انه يحتاج الى الأمان، وإلى إرواء شوقه الى المعرفة، وإلى المشاركة عبر احاسيسه في البيئة وفي العالم الخارجي، كما يحتاج الى اللعب، وإلى اكتشاف ما يحيط به من حوله، والى التعلم والتربية مثلما يحتاج الى تأكيد ذاته، واكتساب احترام الآخرين وثقتهم والى الاسهام في تحمل المسؤولية واقتحام التجارب واختبار الاشياء، ومن الصعب ان نلم في فترة قصيرة بحاجات الطفل التي لا يمكن ان يلبى أي شيء منها دون رعاية الاسرة واعتنائها، وكل هذه الحاجات اضافة الى الحاجة العضوية في التغذية المستمرة الجيدة، والرعاية الصحية المنتظمة. ‏
فهل تستطيع المرأة الكثيرة الأولاد أو الكثيرة الولادة، أن تؤمن هذه الحاجات الجسمية والنفسية لأولادها الكثر؟ وهل تستطيع ان تعطي كل طفل من اطفالها حقه من الأمان والحب والعطف والعناية الكاملة؟ فإذا كانت تستطيع القيام بهذا الدور المتكامل لكل اطفالها وبالتساوي، فلا مانع من التسيب في الولادة مع العلم ان معظم كثيرات الولادة في بلادنا هن، للأسف، من ذوات الدخل المحدود والثقافة القليلة، كما أنه من الثابت علميا ان اعلى نسبة للوفيات نجدها بين النساء الكثيرات الولادة، ولاسيما ممن ينتمين الى تلك الطبقات الفقيرة. ‏
ولا بد من إلقاء نظرة على المشكلات التي تتعرض لها الأمهات الكثيرات الولادة، خصوصا التي تتعدى العشر او الاثنتي عشرة ولادة؟ نعتبر كثيرة الولادة كل امرأة عندها خمسة أولاد أحياء أو أكثر ـ وبعضهم يعتبرها ام الثمانية أولاد فما فوق ـ والتعريف الأخير يناسب نساءنا أكثر من الأول. ‏
هؤلاء النسوة عندهن القابلية والاستعداد لاختلاطات متعددة خطرة، والسبب هو عدم وضوح هذا الخطر، وبالتالي اهمال هؤلاء النسوة لانفسهن، حيث يظن بعضهن ان التي ولدت ثمانية أطفال اصحاء لا خطر عليها بل قد تجاوزت الخطر، ولكن الحقائق تدلنا على عكس هذا الظن كما سنرى. ‏
كلنا يعلم ان النسبة العالية لوفيات الأم هي أكثر ما تكون عند كثيرات الولادة. ‏
ففقر الدم مثلا يتضاعف عند هؤلاء النسوة كما يزداد عندهن ارتفاع التوتر الشرياني، وقد يؤدي ايضا الى الانسمام الحملي، كما يتضاعف النزف عند هؤلاء قبل وأثناء وبعد الولادة، كذلك تحدث تمزقات الرحم ثلاث مرات أكثر عند كثيرات الولادة، كما ان نسبة حدوث العمليات القيصرية هي أكثر ما تكون في كثيرات الولادة. ‏
وهنالك عوامل عدة تعمل لزيادة اخطار كثيرات الولادة، فمن الطبيعي ان سن المرأة آخذة بالازدياد، وبالتالي يصبح جهازها الوعائي الدوراني أكثر عطبا، ولذا يكثر مرض ارتفاع التوتر الشرياني عندها. ‏
وللبدانة المترافقة مع كثيرات الولادة خطرها أيضا على الحمل والولادة، كما تلعب العوامل الاجتماعية دورا هاما ايضا، حيث ان معظم هؤلاء النسوة فقيرات مجهدات متعبات، وكثيرات منهن مصابات بفقر الدم، حيث تزيد كل ولادة من فقر الدم، فلا توجد هناك راحة كافية لاستعادة وتعويض خسارة الدم هذه، وتتجمع الخسارة فوق الخسارة، وتحاول هؤلاء النسوة تغذية اطفالهن على حساب تغذيتهن الخاصة، وبالتالي ينقص عندهن البروتين والفيتامين، فهن مهملات لصحتهن لشغلهن الشاغل باطفالهن الكثر، وينقص عندهن الكلس ايضا بعد سلسلة من الولادات والارضاع، ولذلك لا نتعجب كثيرا من وجود اسنان غير طبيعية عندهن، حيث نرى فم احداهن بشكل عام مليئا بأسنان نخرة أو التهابات اللثة، ومع ازدياد الوزن والتحدب القطني، يصبح جدار البطن عندهن غير سوي وغير منتظم، وبالتالي، ونتيجة لكل ذلك، تصبح المرأة تعبة مجهدة ناقصة التغذية، تقف بصعوبة، وتمشي بصعوبة وتأكل على روتين واحد، ولا تأخذ قسطها الكافي من النوم.

22/3/2006


جريدة تشرين 

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon