أختي الصغيرة وأنا

خاص: "نساء سورية"

عمرها أربع سنوات، فهي أصغر مني ب11 سنة،اسمها بيسان ونناديها سونة، جميلة شقراء خدودها ممتلئة.
تقضي نهارها مع أولاد الجيران مع أنهم جميعا أكبر منها سناً، كلهم يعملون لإرضائها لأنها إذا غضبت على أحد منهم أزعجته تماماً لدرجة أنهم يأتون إلينا ليشتكوا منها.
أما عندما أطلب منها قبلة أوشيئاً من ذاك القبيل لا تعطني إياه إلا مقابل الكثير مني،فإذا جلست معها تبدأ الحديث معي بقولها "أنا حلوة" هذه الكلمة التي ترددها دائماً حتى عند بكائها، فإن قلت "لا" غضبت مني واستاءت من حديثي ورفضت التحدث إليّ، أما إن وافقتها على ذلك فإنها تضحك بسخرية، وترتسم على وجهها علامات الفرح والسرور الكاذبة وتقول "أنت أيضاً حلوة"، وأحياناً نتيجة رغبتي الزائدة بتقبيلها أبدأ بضمها بقوة وبتقبيلها من كل مكان، فتبدأ بتغيير ملامح وجهها وتغيير نبرة صوتها على أنها "تونة": فهي صغيرة جداً لا تعرف الكلام ولا أي شئ آخر، وبعد مرحلة تونة تصبح "سونة": أي أنها صغيرة إلى حد مقبول تعرف قول بابا وماما فقط،أما المرحلة الأخيرة فهي "بيسان":وهي كبيرة تدرك ما تفعل، فعمرها تتحكم به متى شاءت.
تدخل السرور والتسلية إلى عائلتي بأكملها،ويكون صاحب الحظ هو الذي يستطيع إقناعها بالمجيئ إليه، أما حين أرغب بضمها رغبة كبيرة وهي لا تقبل بإن تأتي إليّ أقول لها: "أنا سوف أموت ولن أرجع إليك أيضاً "، عندها تظهر على وجهها علامات الإستياء وتجعل نفسها حزينة غضبة لا تريد التحدث إلى أحد، فعندما أبتسم بوجهها وأوحاول إرضاءها،في ذلك الحين تحن عليّ بضمة لمدة ثواني وجيزة، وبقبلة أفقد فيها لذة خدودها الممتلئة وشفاهها المتلامعة، إلا أنني عليّ أن آخذ بحذري كي لا أغضبها مرة أخرى.
لا تفعل أي شئ مهما كان إلا بعد التحدث إليها لوقت طويل ودرج القصص والحكايات وأمثلة على أولاد الجيران المتعلقة بنفس الموضوع، وفي آخر هذا كله أوتقنع وتفعل أولا،فيا للمصيبة إن لم تقنع.
أما حين نطلب منها أن تقصّ علينا من قصصها العظيمة، تجعل نفسها ذو فضل ذو فضل علينا، وتكبّر نفسها وتقول: كان ياماكان..كان في واحد وبس!، وهنا تنتهي القصة ويبدأ الضحك، فإذا تظاهرنا بالغضب تقول: "أمزح معاكم"، وتبدأ بقصة أخرى مطولة كثيراً، نسأمها ونملها ونضجر منها، ومع ذلك علينا جميعاً أن نسمعها ونعجب ونضحك إن كان هناك شيئاً مضحك "وطبعاً لا"، فلا ترابط بين كلماتها ولا معانيها، تخلو حكاياتها من حروف الجر والعطف ولا فرق عندها بين تذكير وتأنيث وبين جمع وإفراد.. وعلى الرغم من ذلك نحن نفرح كثيراً من الأنسة بيسان لإنها قبلت وتنزلت علينا لتروي لنا من قصهها التي لا يُستغنى عنها.
إلا أنني الآن أعجز عن وصف سونة حبيبتي وصغيرتي سونة إن حفظت أغنية، فسوف تغنيها كل يوم وكل ساعة وفي كل لحظة وعلينا أن نتفاعل معها بشكل دائم من رقص وتصفيق و... إلا أن عجزي لا يأتي من عدد مرات غنائها بل هو كيف تغنيها، تغيّر ألحانها جذرياً،وتضيف وتحذف الكلمات على،رأيها وتدخل وتخرج مقاطع الأغنية... فكأنها أغنية جديدة نسمعها، وكذلك الأمر إن حفظت كلمة إنكليزية جديدة،ففي ذاك الحين علينا أن نذكرها بها في كل وقت كي تبقى في ذاكرتها.

8/1/2005
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon