ثقافة الطفل

خاص: "نساء سورية"

(الطفل من خلال نموه يتعلم الملاحظة والإدراك والتمعن في الأشياء ثم المحاكمة العقلية. وتكتسب أفعاله تدريجياً طابعاً عقلانياً منظماً. ودراسة خصائص النشاط الإنعكاسي ونموه لدى الطفل في شتى مراحل حياته عبء يقع على عاتق الأسرة والمدرسة والمؤسسات الأخرى وعلم النفس).
خبرات الإحساس ودورها في عملية الإدراك:
مما لا شك فيه أن ثقافة الإنسان -أي إنسان كان- هي وليدة اتصاله بالبيئة المحيطة به والمجتمع، بما في ذلك الأطفال.
وثقافة الطفل متعلقة بهذا الاتصال؛ لا بل هي وليدة هذا الاتصال، الذي بدونه يتحول الإنسان إلى كائن بيولوجي ليس إلاّ، وجميع المؤثرات التي يتعرض لها الطفل جراء هذا الاتصال؛ بإمكاننا أن نطلق عليها إسم ثقافة، وهذه المؤثرات يتعرض لها الأطفال بعد الولادة مباشرة بأشكال مختلفة، وهم يتفاعلون معها بدرجات مختلفةٍ أيضاً.
ويمكن القول في البداية: إن الطفل الصغير يستغرق كلياً ويعتاد على ردود أفعاله تجاه الأشياء، ولذلك لا تتسنى له القدرة على التفكير في الأشياء في حال عدم وجودها.
وحواس الطفل هي نافذته التي تطل منها المؤثرات عليه، سواءً كانت سمعية أوبصرية أو ذوقية أو شمية أو لمسية؛ وإدراكه لهذه المؤثرات مرتبط بنموه، فهو يتعامل مع المدركات وفقاً لخبرته معها، ولموقفه منها أيضاً، لذلك كان الإحساس الواحد لدى الأطفال المختلفين يؤوّل في العادة إلى إدراكاتٍ متباينة، فلكل طفل عالمه الإدراكي الخاص به.
وتتباين مدركات الطفل الواحد من موقف إلى آخر؛ لأن الإدراك هو نشاطٌ نفسيٌّ له علاقة وُثقى بالشخص وحالته النفسية وثقافته، وله علاقة أيضاً بموضوع الإدراك نفسه.
فالإدراك خلاصة تجربة الإحساس وثمرته، إلا أن هذه الثمرة -التي هي الإدراك- لا تلبث أن تأخذ شكلها الخاص بها، مستفيدةً من تجارب الإحساس التي تأسست عليها ومن مقومات كينونتها الذاتية، وعلى هذا فإن الأطفال لا يدركون موضوع الإحساس كما هو، بل كما يرونه هم، أي أن إدراكهم لموضوعٍ ما؛ قابل للحذف وللزيادة أيضاً فهم ليسوا حياديين تجاه المواضيع التي يدركونها؛ ثمة شيء شخصي يدخل في تركيب مواقفهم من تلك المواضيع التي يدركونها.
من هنا جاءت خطورة التلقين الذي يعتمد على إلغاء محاكمة الطفل للموضوع؛ وبالتالي إلغاء موقفه منه، وإلغاء الموقف هو إلغاء لشخصية المتلقي، سواء كان هذا المتلقي طفلاً أو راشداً.
لذلك ترى كلّ المواضيع التي يتلقاها الأطفال تلقيناً دون محاكمةٍ لموضوعيتها، ودون فهم لأبعادها، ترى موقفهم منها يتبدل مع أول فرصةٍ يتاح لهم فيها محاكمة تلك المواضيع، وتمييز المدركات وفهمها هو الأساس الذي تقوم عليه ثقافة الطفل.
وبما أن المثيرات البيئية والاجتماعية المحيطة بالطفل هي من الكثرة - بحيث تعجز الحواس عن استقبالها في وقت واحد - ترى أن عامل الاهتمام هو الذي يحدد آلية الانتقاء ويوجهها، لذلك كان على الأهل والمؤسسات الرسمية - وغير الرسمية - التي تهتم بالأطفال وتقوم على تثقيفهم؛ أن تدرك دوافع الاختيار الطفلي وتؤسس عليه، حينئذٍ يأتي التأسيس ملائماً لبنية الطفل السيكولوجية، ومتطابقاً مع اهتماماته الشخصية، فيترسخ في ذاكرة الطفل، ويصبح جزءاً من ثقافته الشخصية، شريطة أن يكون التأسيس في صيغةٍ تثير انتباه الطفل، وتحمل من العناصر ما يجعلها مفهومة وجذابة وملبية لحاجاته الشخصية.

12/2004
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon