توقف الوقت طويلاً حول خصلات شعرها الشقراء المتدلية كشلال من السحر مطوقةً عينيها المتوقدتين بحزن فوقْ بشريٍّ، كالحزن في قلب سيزيف! والاحتفال في ساحة المدرسة بمناسبة تتويج المتفوقين، نسي تفوق عينيها بالتقاط اللحظات العصية والرقصات الدائرة في قلب الساحة لزملائها في طلائع البعث والآخرين من أبناء قريتها -التي مر فوقها الفقر وحط رحاله، فتكاسل فيها إله الصحة وإله الحكومة وامتلأت بالإعاقات الفكرية والدماغية والسمعية والبصرية- فراحت بين لحظة وأخرى تمد يديها الصغيرتين جداً وتصفق في تناغم رائع مع الموسيقا، فتنبت لصفقاتها أجنحة، وتطير في اتجاه ما، متجاوزة حدود هذا العالم إلى عالم آخر ربما...!! أماني الطفلة ذات الثلاث سنوات تعاني من إعاقة حركية في قدميها، ولن تتمكن يوماً من اعتلاء قدميها كفارسة عصرها، فعلى هذه الأرض الوحشية وفي حياتنا الوحيدة قد يخوننا الأهل أحياناً والأصدقاء ربما وأرباب عملنا بالتأكيد وقد تخوننا أقدامنا..عيوننا... آذاننا ....قلوبنا!!.... وعلينا بعد ذلك أن نعمل فزاعات لنبعد طيور القاق والمتطفلين، مصدات للريح العاتية، صناديق بريد فارغة! معدين سلفاً على هيئة آلات اجتماعية بميزاتٍ إضافية: التملق والابتسام والضحك والبكاء، الضحك لمن رحلوا والبكاء علينا، على القادمين الجدد!! ليس أمامنا ما نفعله في هذه اللحظة العدم من تاريخ البشرية، بدون الملامح المميزة، بدون الحب، بدون العمل، بدون الفرح، بدون القدرة على الموت حتى...؟! لكن أمام أماني الكثير مما تفعله، فعليها نحت قدمين من خشب أو بلاستيك أو من صلصال روحها وركنهما خلف الباب لأجلنا!! نحن الذين ننتظر بنهم إمكانتها الأكيدة.. فالمعاق من أهم واجباته أن يكون معجزة تريح ضمائرنا!! ولماذا عليها أن تتساوى معنا، نحن النسخ الحقيقية للبلاهة المعتدة بنفسها، المصفقين لكل شيء والقانعين بلاشيء؟؟ وبين رقصة وأخرى يرتفع التصفيق في الساحة: أماني.. أماني أماني أماني أمانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي.. وأماني الصغيرة تتوقد.. تشتعل.. تحترق كفراشة في مضمار الموت.. تضيء!! ونحن نزيد من وتيرة التصفيق راضين تماماً..!! لكنه الوقت توقف طويلاً حول خصلات شعرها البلاتيني وأرسل آلاف الرسائل البيضاء إلى الفضاء العميق.....!!
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon