عرفنا بعضنا لسنوات طويلة، كانت بمثابة ضلع مني، أو كمثل صورة لي خارج الزمان والمكان. خارج كل القيود والحدود. لكني في ذلك اليوم -بعد غياب طويل- أدركت للحظة أنني لا أعرفها، شخص آخر، تهويم آخر. فاعتمدت طريقة الأسئلة المتداخلة لمعرفتها من جديد، ولماذا هي على هذا النحو المختلف؟ لقد كانت حزينة، غائبة في عالم آخر، منومة مغناطيسياً، وعلى وجهها آثار وجع أصفر! كغريق نسي أن يتلذذ بالبحر الأخير! ربما لم تكن على أهبة الاستعداد للإقرار بما أرعبها وأحزنها على ذلك البعد القاسي من أبعاد الوجود. لكنها لم تقاوم إغراء التحدث إلي، إغراء الإجهاش بكاءً في مسارب روحي.. ووراء جبل الحزن ذاك كان يتمترس حب متجذر، حب كالسرطان وكالإله في آن معاً... فبعد حب أسطوري دام أعوام لزوجها الحالي، ها هي تقع في الحب من جديد: "كان الوقت عصراً وبعد نهاية يوم شاق، بعد أن فقدت القدرة على المشي نهائياً، قررت بعد حسابات طويلة أن آخذ تكسي إلى منزلي البعيد عن المدينة (مكان عملي)، لكن برجي كان في ذلك الغروب يلف حائراً بين الأبراج مختنقاً! وحالما صعدت إلى التكسي أدار وجهه وطلب مني أن أجلس في المنتصف ليرى وجهى. قوة ما راحت تحركني (تجذبني) إلى الوسط. وبعد دقائق طلب أن أعطيه يدي، وفعلت بلا تردد، و راح يقرأ علي بعض مواصفاتي العاطفية والانفعالية، التي كانت معظمها حقيقية. ثم حدثني قليلاً عن نفسه بدافع طمأنتي..! وتبادلنا أطراف الحديث عن العمل والحياة الشخصية. واكتشفت بعدها أن ذلك لم يكن حواراً، بل كان انفجاراً في روحي وجسدي.. ومضت الأيام لم أعد قادرة على النوم أو على العمل أو على الحياة من دونه.. وزوجي الذي كان دائماً في غاية الروعة والشفافية، بدا في تلك الأمسيات وهو يتمدد إلى جانبي وحشاً أو غولاً أو كائناً غريباً ومستفِزاً. مع أنني لم أره إلا مرة واحدة إلا أنني في تلك اللحظة التي أخرجت بها قدمي خارج التكسي أدخلتهما في غيبوبة لا نهائية. فصارتا تقوداني إلى أماكن لا أعرفها، ولم أعد أعرف الحلم من الواقع.. وتنامت عندي عقدة اللون الأصفر! وصار همي الوحيد مراقبة التكاسي.. والشرود خلفها لساعات... حتى صار بؤبؤ عيني أصفر، وشراييني صفراء.. وعظامي.. والنتيجة: ألف خيبة أمل صفراء في اليوم الواحد! قلبي يكاد يتوقف حزناً.. والوجع الذي بدأ في ذلك اليوم في قلبي.. وتفشى في كل مكان.. لن يتوقف أبداً.. الوجع المطلق يتخلل كل شيء.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon