ورقات تطفر في الدرب والغيمة شقراء الهدب.. والريح (أناشيدو) والنهر (تجاعيدو) لقد أحرقتني شمس الطفولة بما يكفي لظهور التجاعيد الصغيرة حول عيني وفي وجهي في وقت مبكر للغاية بينما كنت ألعب تحت أشجار الصنوبر لساعات النهار الطويلة الصيفية والربيعية، وعلى البيدر المتعالي كقطعة من سماء حيث كنا نجلس لساعات طويلة نصنع أطواقاً من ورد النسرين وخرافاً ظننت لفترة طويلة أنها كانت حقيقية وحية. وفي أرض (الشيارة) كما كانوا يطلقون عليها، حيث كانت أشجار السنديان العتيدة تطلع من الصخور والصخور من أشجار السنديان، ثم وفي قلب الصخر كانت تتفجر كإله أزهار بخور مريم البيضاء والوردية ، والتي أزيلت عن الوجود عندما جاء مستثمر جشع أو (واقعي) وقطع كل الأشجار السامقة، واقتلع الصخور وهشم أزهاري المفضلة.. مع أنني لم أرى ذلك المنظر المرعب إلا أنك لم تغفلي في حواراتنا العاصفة بعد انقطاع طويل أن تبللي بندى صوتك، ودموع أشجار السنديان العطرة تلك الصورة البعيدة.. صديقتي.. يا صديقتي... لقد ملأت التجاعيد وجهي مع أنني لازلت طفلة، وعلمتني الحياة دروس الكبار باكراً جداً.. وأصبحت شخصاً آخر، امرأة غريبة الأطوار تحمل رقم (ثلاثين(!! أو رجلاً رقيقاً يحمل رقم (أربعين)!! لست أدري، ربما الاثنين معاً!! والآن يمكنني الجزم أكثر من أي وقت مضى كم أحتاجكِ لنتكلم تلك اللغة، أن نتبادل ذلك الشرود خلف الخط الأزرق، وفوق البحر العظيم، ونحن نراقب من أعلى الجبل سقوط الذهب في الفضة الساحرة ونحتسي الشاي ككهلين في قيلولتهما الأخيرة. كم أحتاجكِ لأعرف كم تغيرتُ أنا وكم تغيرتِ.. أحتاجكِ لأشرح لك حكاية تجاعيدي. وكيف أعاد الدمع حفرها بإتقان حين كنت أجهل سبب صمته الجنائزي الذي كان يدوم لأيام أو لشهور، موقنة أنه لابد من حمل أغراضي الضئيلة والمضي بعيداً قبل أن يتوقف قلبي عن الضجيج.. أو قبل أن يجن جنوني وأتوه في الأرض... أحتاجكِ لتعرفي كيف صارت دمشق على شفير الموت اختناقاً بالنفط والدخان، بالزحام. كيف تجرد الياسمين الذي حدثتني عنه طويلاً من عبقه وبياضه الساحر، كيف أصبح (لا شيء).. لتعرفي رغبتي العارمة (أنا المرأة ما فوق العصرية) باقتلاعها أو الفرار منها: قصة حياتي النزقة، أعصابي التالفة، عيوني المتعبة من ملاحقة آرمات الأطباء التي تخص عملي... تجاعيدي المقدسة... أرغب فعلاً في اقتلاعها على يد طبيب ماهر وبأقل كلفة ممكنة.. فقد سئمت الرموز..! سئمت مثالياتي البالية.. وجهي الطيب الساذج ... وسأكون قد قلت وداعاً لكل شيء قبل أن يرن صوتكِ على الهاتف، صوتكِ الغريب.. صوت لا أعرفه...
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon