في خطوة هي الأولى وجد جمهور الرقة نفسه أمام إعلانات تقول: إن محافظة الرقة على موعد مع الفنان نصير شمة.. مساء الثلاثاء 26/ 7/ 2005. منذ سنين خلت افتقد جمهور الرقة على منابر الرقة من يحب، وافتقدت صالة المركز الثقافي جمهورها، لقد عاشت المدينة فترة انقطاع مزدوجة، وكأني بها مع الإدارة الجديدة لمديرية الثقافة قد استعادت زخمها على المستويين؛ مستوى المشاركة ومستوى الحضور، إذ صار الناس يغدون زرافات ووحداناً. وبين الارتباك البهجة كانت عقارب الساعة تهرع نحو الثامنة حيث سيلتقي الفنان الكبير مع جمهوره ويلتقي الجمهور فنانه، لقد كانت تلك الأمسية مليئة بالمفاجآت، بدأتها الآنسة نجود الزيدي بكلمات لم يعهدها منبر مديرية الثقافة بتقديم الأمسيات، حيث احتفظت بألقاب الحضور الرسمي لصالح ما هو أجمل: "حين تتقاطع الكلمات مودة يصبح ما هو أجمل في المعنى أجمل كذلك في الوجود، أيتها السيدات.. أيها السادة الحضور: أسعد الله مساءكم بكل خير، في زمن الدماء هذا كان لزاماً علينا أن نلتفت إلى أنفسنا، إلى بعدنا الإنسانيِّ نكرسه قاسماً مشتركاً قبل أن نتحول إلى كائنات متجاورة، فمن الأزل وإلى الأبد والإنسان ومضة برق على صفحة بحر الحياة.. يحترق.. يشقى.. يتعذب.. يبدع..، لكنه في النهاية يسمو لأنه أعطى الوجود أن يكون وجوداً. فيا أيها النائي كحلم طال انتظاره؛ ثمة من هو صوتنا.. وثمة من هو ضميرنا.. وها أنت بينهما تنحاز إلى ضمائرنا عزفاً، فما أصعب الكلمات وأندرها وأبخلها حين نريد أن نعبر بها عن مكانتك في قلوبنا ولا نستطيع، وما أعجز العاطفة حين نريد أن تكون برداً وسلاماً ودفئاً وفيئاً يظلك بيننا ولا تستطيع، فمن لي بعدم الاستطاعة هذا وعدم الاستطاعة ذاك؛ بكلمات تؤدي لك حقك علينا وتحفظ ماء وجهي أمامك، أمام اسم حين نذكره عليك أن تعتدل في جلستك احتراماً.. إنه الموسيقار العربي الكبير نصير شمة. لقد أحببناك كثيراً.. وانتظرناك طويلاً.. فأهلاً بك بيننا.. وتفضل فالليلة كل شيءٍ لك. وبباقة ورد وقبلة انتهى التقديم ليبدأ الفنان عزفه المنفرد، فحضرت الموسيقا.. وحضر العراق.. وحضر البعد الإنساني للفنان نصير شمة، فتوحد الحضور مع الفنان بسيمفونية موازية جسدتها العواطف تصفيقاً. وفي نهاية الأمسية قام مركز البحوث والدراسات المستقبلية بالتعاون مع مديرية الثقافة بالرقة بتكريم الضيف الكبير الموسيقار نصير شمة. بدأ التكريم بكلمة ألقاها الأستاذ إبراهيم الزيدي مدير مركز البحوث والدراسات المستقبلية، حيث قال: أليس من الغريب أن يصبح ما هو إنسانيٌّ هدفاً؟ أليس هو في حقيقة الأمر نقطة انطلاق؟! هنا يكمن الرعب وعلينا تجاوزه، فالعمر أقصر من أن نبذره، والحياة تستحق المبادرة .. فيا أيها الكائن المتورط في الحب، إن قبراً يتسع لجسد الفنان يضيق عن جملة موسيقية وهذا الكون الشاسع لا سبيل إلى اختصاره إلا بكلمة حب قلناها لك، وهناك أولئك الذين تعودنا أن نتحدث عنهم بالجملة.. والجمع في هذه الحالة ليس اختصاراً للذاكرة وإنما لحقهم علينا.. رب سائل يسأل عمن هم أولئك؟ إنني باسم مركز البحوث والدراسات المستقبلية أتحدث عن أولئك الذين يعيشون مشاكل مترابطة، فهم ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة، وهم ضحايا الفقر والجهل والتخلف، وهم ضحايا السياسات الدولية والأسرية: منهم 250 مليون عامل، ومنهم 25 مليون لاجئ، ومنهم مئة مليون في سن الالتحاق بالمدارس الابتدائية ولم يلتحقوا.. ومنهم.. ومنهم.. ومنهم.. ومنهم أبنائي و أبناؤكم أيضاً. ونحن انطلاقاً من هذا وذاك نثمّن البعد الإنساني للفنان نصير شمّه الذي منح الطفولة أجمل ما عزف، ونحن في مديرية الثقافة ومركز البحوث والدراسات المستقبلية سنمنحه أفضل ما لدينا: وسام الحب الأول. ثم قدمت الآنسة نجود الزيدي الوسام للضيف العربي الكبير نصير شمّه؛ مرفقاً بباقة ورد. وانتهى التكريم بتصفيق الجمهور الذي غصت به الصالة لأول مرة منذ زمن بعيد .
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon