مطالبات بـ"شرطة أسرية" لمواجهة قضايا "زنا المحارم" في السعودية
قالت رئيسة الدراسات ومركز المعلومات بجمعية حقوق الإنسان في السعودية الدكتورة سهيلة زين العابدين إن هناك تزايدا لحوادث "زنا المحارم" في البلاد، مشيرة إلى ورود 20 حالة اغتصاب من المحارم إلى الجمعية، بحسب صحيفة "الوطن" السعودية. في الوقت نفسه، نقلت الصحيفة قصصاً واقعية للتحرش والاغتصاب، روتها ثلاثة فتيات، وبررت صمتهن " بالخوف من الفضيحة". وطالبن بهيئة استشارية للمتحرش بهن والمغتصبات لمساعدتهن على التخلص من آثار تجاربهن المريرة. فيما طالبت أيضا ناشطة حقوقية سعودية بشرطة أسرية متخصصة في حماية الأسرة من قضايا العنف الأسرية، لأن مراكز الشرطة الحالية غير ملمة بالتعامل مع تلك القضايا, لاسيما مع تأخر البت فيها في المحاكم لكثرتها مقارنة بأعداد القضاة على حد تعبير تلك الناشطة. وبالرغم من أن زنا المحارم لم يتحول إلى ظاهرة ، وأنه لا زال مجرد حالات فردية، الا أن الدكتورة سهيلة تقول إن عدد الحوادث من هذا النوع في ازدياد، فضلا عن الكثير من القضايا التي لم ترد إليها إذ لم يتم التقدم بشكوى ضد آباء أو إخوة يتحرشون ببناتهم أو أخواتهم خوفا من الفضيحة أو بسبب الشعور بالحرج. وأرجعت أسباب صمت الكثيرات من المتحرش بهن إلى الخوف الاجتماعي من الفضيحة، وعدم الشعور بالأمان، وتغاضي الأهل عن المتحرش، وعدم حسم المواقف، مشيرة إلى أن هناك نساء يرفعن دعاوى حول تحرش أزواجهن ببناتهن، فيتم الاكتفاء بالخلع دون تطبيق الحد على مقترف الجريمة. وطالبت الدكتورة سهيلة بتطبيق عقوبات رادعة والتعزير بالأباء والإخوة والأزواج المغتصبين والمتحرشين ببناتهم أو أخواتهم، وأكدت على إيجاد لوائح تنفيذية صريحة لقضايا التحرش وزنا المحارم وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية، لافتة إلى أن غياب تطبيق العقوبات أحيانا يعود إلى الافتقاد لتقنين التعزيرات والعقوبات في الوقت الذي يحابى فيه الرجل لدرجة عدم تطبيق الحد. وأضافت أن النظام القضائي السعودي يطبق تعاليم الشريعة الإسلامية مؤكدة وجوب أن تنفذ كل التعزيرات أو العقوبات المنصوص عليها في القرآن والسنة، وألا نجامل أو نتهاون فيها، لاسيما أن لمقترفي تلك الجرائم سلطة على المستضعفين حتى يكونوا عبرة لغيرهم، لأن من يعرف ما ينتظره من عقوبات رادعة لن يقترف مثل هذه الجرائم. ولفتت إلى تزايد التحرش الجنسي بالأطفال، وخاصة البكم غير القادرين على الكلام لضمان عدم تحدثهم عن الجريمة ثم بالفتيات من قبل آباء مهزوزي الشخصية أو منحرفين أو من قبل إخوتهن، كما تتزايد نسبة التحرش وزنا المحارم في مجتمعات الأسر الفقيرة والأسر التي لديها آباء أو أبناء يتعاطون المخدرات والمسكرات التي تذهب العقل، بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني الذي يلعب دورا كبيرا في تلك السلوكيات وسوء التربية الأساسية والشذوذ، حيث إن من يقدم على هذه الجريمة شاذ ومنحرف. الخوف من الفضيحة واعتبرت "ناجية" التي تحدثت عن تجربتها المأساوية أن كلمة "تحرش" لا تصف أي شيء من الواقع الذي هو خليط من مشاعر الاحتقار والاستهانة بها كإنسان وهي لا تستطيع البوح لأسرتها بمأساتها، لأن الواضح أنها أول من سيتأذى، فعندما هددت شقيقها بإخبار والدها بما يفعل سخر منها، وأكد أنها الوحيدة التي ستعاقب، بعد أن تعرضت لمحاولات متكررة من التحرش الجنسي والزنا من أخيها منذ كانت في التاسعة من العمر، ولم تجد ناجية غير شقيقتها لتخبرها، لكنهما لم تتمكنا من فعل أي شيء سوى التهديد بفضح أمره أمام الأسرة الذي لم ينفع معه خلال أكثر من سنتين من التحرش. ووصفت ناجية ما كان يفعله شقيقها بأنه مميت بالنسبة لها، وأثر على علاقتهما كثيرا، وسبب لها التوتر والخوف الدائم من وجوده والتعامل معه، وكان ذلك يحز في نفسها كثيرا، فلو أن الفاعل أحد الغرباء لكان الأمر أخف وطأة، وقد تستطيع التغلب على الظروف المدمرة التي جعلتها وهي طفلة عاجزة عن التصرف، ويعتريها الخجل والشعور بالعار بمجرد التفكير في الأمر، والخوف من إخبار أسرتها التي كانت ستتخذ موقفا بالضغط عليها كفتاة حسب تصورها، لأن الشاب لا يعيبه شيء سوى افتقاره للمال برأي المجتمع، وتؤكد ذلك الأمثال الشعبية.
في الخامسة من عمرها القصة الأخرى التي ذكرتها صحيفة الوطن هي حالة له نادية ابنة العشرين عاما التي تعرضت لتحرش وهي في الخامسة من عمرها لا زالت باقيا في ذاكرتها بتفاصيله كتجربة من أسوأ التجارب. وتقول نادية إنها لم تتمكن من إخبار والدتها أو أي من أفراد أسرتها لتنضج وتكبر معها هموم أكبر منها وكره ليس فقط للشخص الذي ارتكب تلك الجريمة ولم تفصح عنه بل لكل الذكور، مشيرة إلى أنها بحثت عن أطباء متخصصين للتخلص من تجربتها السلبية المؤلمة. ودعت الفتاة إلى إنشاء هيئات تختص بهذا الأمر، لمساعدة الفتيات والسيدات المتعرضات للتحرش أو الاعتداء الجنسي على التخلص من آثارهما، مؤكدة أنها مازالت تشعر بذلك الموقف كما لو كان بالأمس، فهو يذكرها بضعفها وخوفها وقلة حيلتها، مع الاشمئزاز والخوف المستمر من تكرار تلك التجربة القاسية التي لم تترك لها سوى سر مقزز مازال يراودها، ولم تستطع أن تبوح به سوى لصديقة عانت نفس ما عانته.
جامعية تحاول الانتحار قصة أخرى، وهي لفتاة جامعية أقدمت على الانتحار عدة مرات بعد تعرضها للتحرش من عمها، حيث أثر ذلك عليها نفسيا، وأدى إلى تدهور حالتها الصحية دون أن تستطيع الإفصاح عما جرى لها لأسرتها أو حتى إخبار والدتها بما فعله عمها. ولم تستطع الفتاة التقدم بشكوى أو الإبلاغ عما تعرضت له، لأنها كانت خائفة، وهي تشعر بالأسف لأنها ظلت صامتة وخائفة، إلى أن تطور الأمر ودفعها ذلك الحدث الإجرامي للانحراف، والسير في الطريق الذي تشعر أنه سيؤدي إلى تدمير حياتها بعد أن تدهورت أحوالها. وهناك نماذج أخرى مختلفة تعيش ظروفا مأساوية مرتبطة بالتحرش والاغتصاب منها أسرة طفلة صماء وبكماء في السادسة من العمر تعيش حالة من التخوف والقلق المستمر بعد اكتشافها محاولات متكررة للتحرش بابنتها، ما اضطرها لأن تفرض عليها مراقبة وحظرا دائمين بسبب خوفها عليها، نتيجة ما تعرضت له، أما الطفلة نجلاء فاضطرت أسرتها لمتابعة وضعها طبيا والتأكد من حالتها الصحية، مع التزام الصمت بعد تعرضها للتحرش من أحد أقربائها.
معالجة زنا المحارم وحول طرق معالجة الحالات التي تتعرض " لزنا المحارم " ، تقول الدكتورة سهيلة إنه من الضروري خضوع الفتاة التي تم التحرش بها العلاج التأهيلي، وتقوية الجانب الديني والروحي لديها وتعزيزه، ومساعدتها على تقبل وضعها وتقبل المجتمع لها، حتى لا تنتهي حياتها بهذه الطريقة، وعلينا أن نتوسع في برامج التوعية للشباب لتشجيعهم على الزواج، وتقوية الجوانب الدينية والأخلاقية لديهم، والتأكيد على دور الردع والعقاب. وأضافت أنه من الضروروي توعية الفتاة بحقها الشرعي والديني والاجتماعي، وألا تفرط في هذا الحق، مهما تعرضت لتهديد من أب أو أخ، وأن لا تخاف، وتدافع عن نفسها، وتقوم بالإبلاغ عند تعرضها لجريمة تحرش أو اغتصاب. وأشارت الدكتورة سهيلة إلى أن إحدى المشكلات الظاهرة في مجتمعاتنا أن الأسر تعطي للإخوة سلطة مطلقة على أخواتهم، وبالتالي يعتقد بعض هؤلاء بأن بإمكانهم القيام بأي سلوك ولو كان منحرفا ومخالفا للطبيعة البشرية كالزنا أو التحرش بالأخت، خاصة إذا كانت ضعيفة أمامه.
قوانين وعقوبات رادعة من جانبها ، أشارت رئيسة اللجنة النسائية بجمعية حقوق الإنسان الجوهرة العنقري إلى أن هناك الكثير من الحالات الخافية التي لم يتم الإبلاغ عنها ولم تصل إلى الجمعية، وقالت إن الجمعية تستقبل أكثر من 40% قضايا أسرية من جملة القضايا, فيما تستقبل 20% قضايا تحرش وزنا محارم من أكثر من 300 قضية أسرية تأتي من كافة مدن منطقة مكة المكرمة، وتتضمن قضايا الطلاق التعسفي وتعليق المرأة وخطف الأبناء وقضايا النفقة والضرب والتعذيب الجسدي. وشددت العنقري على إعادة النظر في الإجراءات المطبقة حاليا في الجهات المختصة وخصوصا الشرطة والمحاكم في حالات الإبلاغ والشكوى من الأمهات أو الفتيات, وأن تأخذ تلك الجهات الأمور بجدية وعدم الاكتفاء بتعهدات من المعتدي, ووضع قانون وعقوبات رادعة تشمل حد القتل والقصاص وعدم الاكتفاء بالتعزيرات فقط، كما أوصت بإيجاد شرطة أسرية متخصصة في حماية الأسرة من قضايا العنف الأسرية، لأن مراكز الشرطة الحالية غير ملمة بالتعامل مع تلك القضايا, لاسيما مع تأخر البت فيها في المحاكم لكثرتها مقارنة بأعداد القضاة. ولفت المحامي والمستشار القانوني علاء يماني إلى تقنين أحكام الشريعة الإسلامية مشيراً إلى عدم وجود لوائح تنظيمية واضحة في تطبيق حد زنا المحارم ما تسبب في عدم إدراك البعض وتهاونه باقتراف هتك الأعراض، مشددا على وضع القواعد الشرعية في شكل لوائح وبنود تسمح لأطراف القضايا معرفة أحكام مقننة لزنا المحارم والتحرش الجنسي في ضوء الشريعة الإسلامية وفي إطار تنظيمي. واعتبر أن عدم وجود بنود تقنن أحكام القاضي قد تتسبب في خلاف كبير أو تباين في العقوبات مما لا يدع مجالا لتوقع الحكم الواقع على مرتكب الجريمة كما يجعل الباب أمام ارتكاب البعض لتلك الجريمة مفتوحا.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon