مخاطر تواجه المرأة والزواج والأسرة

لم تقم الحياة بالرجل وحده ولا بالمرأة وحدها، فكلاهما يصنع الحياة، وبهما يكثر النسل، ويحتفظ النوع، وتعمر الارض.
ومن البدهيات التي يدركها الجميع، ان لاغنى للرجل عن المرأة، والمرأة ايضاً لا غنى لها عن الرجل، اذ عليهما معاً عبء عمارة الارض، اذ قال تعالى في سورة هود:« هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها» ولم يشأ الله عز وجل ـ وهو أعلم بمصالح عباده ـ ان يترك الانسان كسائر الكائنات، فيدع غرائزه تنطلق دون وعي ولاضوابط والا دبت الفوضى وعدم الفساد في العلاقات الاجتماعية؛ ولهذا جاء الزواج في الاسلام، كأسمى نظام وتشريع يحفظ للانسان كرامته ويصونه ويميزه عن سائر المخلوقات الاخرى. ‏
ولقد دعا الاسلام الحنيف في هذا النظام الذي تقوم عليه الاسرة الرجل المقبل على الزواج، ان يقدم لزوجه صداقاً بعنوان منحة، تقديراً وتعبيراً عن الرغبة في تكوين الرباط المقدس. ‏
تحديان خطيران: ‏
ان التقدم التكنولوجي والحضاري الذي غير اساليب المعيشة في اكثر البقاع في العالم، وجعل الوسائل الحديثة تزين كل شارع ومدينة وتجمل كل بيت ومنزل، حمل معه تحديين في غاية الخطورة: ‏
التحدي الاول: تعقد الحياة الاجتماعية وحصول عدد من المصاعب والعقبات في اسلوب حياة الافراد وعملهم، ما ادى الى ازدياد حالات العنوسة، واضراب الشباب عن الزواج او تأخيره الى سنوات طويلة. ‏
التحدي الثاني: المفاسد الاجتماعية وظاهرة التحلل الاخلاقي التي تتصاعد يوماً بعد اخرواصبحت تهدد مستقبل الاسر المسلمة في تماسكها المعهود. ‏
الزواج وتحقيق المصالح الاجتماعية: ‏
لابد قبل التعرض الى نقطة الهدف التي انشدها في موضوعي هذا ـ وهي ضرورة عدم تأخير الزواج بإزالة كل الاسباب والعقبات التي تقف امامه ـ من توضيح ما للزواج من فوائد عامة ومصالح اجتماعية ابرزها: ‏
1 ـ الحفاظ على النوع الانساني، اذ به يتكاثر ويستمر النسل الانساني الى ان يرث الله الارض ومن عليها. ‏
2 ـ المحافطة على الانساب ‏
3 ـ سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي، حيث لايخفى على كل ذي لب وادراك، ان غريزة الجنس حين تشبع بالزواج المشروع، يتحلى افراد المجتمع بأفضل الآداب واحسن الاخلاق. ‏
4 ـ سلامة المجتمع من الامراض، اذ ان الزواج الشرعي يبعد الشباب عن الوقوع في الزنا، ويحول دون شيوع الفاحشة، وهذا من شأنه ان يؤدي الى امراض شتى، منها مرض الايدز الخطير وداء السيلان. ‏
5 ـ في الزواج سكن روحي ونفسي، وبه تنمو روح المودة والرحمة، وينسى الزوج مايكابده من عناء في نهاره حين يجتمع بأفراد اسرته، وهم بالمقابل يحنون اليه ويأنسون به، وصدق الله اذ يصور هذا الوضع بقوله:« ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون» ‏
6 ـ في الزواج تعاون الجنسين في بناء الاسرة وتربية الاولاد، وقد اصبحت ضرورة عدم تأخير الزواج، ملحة اكثر من ذي قبل ، وذلك لاسباب عدة اهمها: ‏
اولاً: انقاذ الشاب من الهواجس النفسية والتأملات الجنسية التي تسيطر على عقله وتفكيره، وتقف عائقاً في طريق غايته ونشاطه العملي والوظيفي وحتى الدراسي. ‏
ثانياً: ابعاد الشاب عن الوقوع في حبائل الشيطان التي تروج لها المغريات الكثيرة في العصر الحاضر، كالمجلات والقنوات الفضائية والانترنت، بحيث اصبح الشباب لايستطيعون درء أخطارها إلا بتمسكهم بدينهم، وتملكهم لنصف الدين، مصداقاً لما ورد في الحديث الشريف:« الزواج نصف الدين، فليتق الله في النصف الاخر». ‏
ثالثاً: في عدم تأخير الزواج، لحاق الذرية بوالديها قبل شيخوختهما التي تحد من نشاطهما ان لم نقل عجزهما عن القيام بواجباتهما تجاه اولادهما، من اجل تنشئة الاسرة وحياتها حياة رغيدة. ‏
رابعاً: في الاقبال على الزواج، دافع قوي للشباب من اجل السعي والبناء وتأمين المتطلبات الاسرية. ‏

مشاكل العنوسة ومآسيها: ‏
هناك الكثير من الفتيات الناضجات والواعيات المتمسكات بالاخلاق الفاضلة، ولا ينقصهن الجمال او الآداب او الثقافة او الاسر الكريمة، لكنهن يشتكين من شبح العنوسة، الذي بات يهدد استقرارهن النفسي والاجتماعي ويكدر عليهن صفو الحياة، وان تحملت الفتاة متاعبها والامها، ورضيت بقضاء الله وقدره، وسلمت له امرها، فإن المجتمع لايرحم ظروفها، ولايقدر آلامها، حتى ان بعض الاسر هي اول من تضغط على فتاتها وتذكرها بمشكلتها، في أي حوار او مشكلة، وربما دفعت هذه الضغوط النفسية والاجتماعية، الكثيرات من هؤلاء الفتيات الى الانهيار، والبحث عن حل يخرجها من الازمة، حتى وان خالف الاعراف والتقاليد، وربما دفعتها النظرات والهمسات والكلمات الجارحة الى محاولة التخلص من الحياة بشكل او بآخر والقليلات هن اللاتي يواجهن الموقف بقدر من التماسك والتفكير المنطقي. ‏
ومما لاشك فيه، ان مشكلة العنوسة، اي عدم زواج الفتاة في السن المناسب لذلك لها اكثر من بعد، اولها البعد المادي، وهذا ناتج عن غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج بصورة كبيرة في ظل مشاكل اقتصادية وأزمات واضحة تمر بها مجتمعات كثيرة، حيث يجهد الشاب كثيراً في سبيل البحث عن مسكن او تجهيزه او اعداده لعش الزوجية، هذا اذا كان الشاب قد وجد عملاً ثابتاً يوفر له حياة مستقرة، والحل هنا، مسؤولية فردية واجتماعية، فأما المسؤولية الفردية، فهي مسؤولية كل أب أو ولي أمر فتاة في سن الزواج، ان يعلم ان« أقلهن مهراً، أكثرهن بركة» وان يتخلص من العادات والتقاليد التي تصعب الحلال وتيسر الحرام، وان ينظر الى الشخص الذي يتقدم لخطبة ابنته، نظرة تقدير لشخصه، وليس لما يملكه من اموال، وممتلكات وأما المسؤولية الاجتماعية فهي مسؤولية المجتمع ككل الذي يجب ان يعينه على اكمال نصف دينه وبناء اسرته الجديدة بصورة يسيرة. ‏
ان البعض ينظر الى غلاء المهور وكثرة الطلبات التي ترهق الشباب، من باب التفاخر الاجتماعي والتباهي امام المعارف والاصدقاء، وهذا سلوك غير رشيد، يتعارض مع دعوة الاسلام الى اليسر والسهولة. ‏

العنوسة والحياة المعاصرة ‏
اما البعد الاجتماعي في قضية العنوسة فلا ريب ان الحياة المعاصرة قد باعدت بين الاسرة والعائلات المحافظة على الدين والاخلاق، والتي لاتخرج بناتها الا في الحدود الضيقة، وبالتالي يقل التعارف بين افرادها، وربما يجد الشاب صعوبة كبيرة في البحث عن شريكة حياته، والتي يثق في اخلاقها وادابها، وبالطبع تزداد هذه المشكلة في المدن عنها في الارياف والقرى، وتتفاقم المشكلة ايضاً اذا اشترطت اسرة ما الا تزوج بناتها الا من اسرتها نفسها ، وكذلك تزداد المعضلة في حال فقدان الرجال او قلتهم. ‏
وقد رغب الاسلام في الزواج من الاباعد والغرباء، اي ان يسعى الشاب الى الزواج من اسرة جديدة ليست من عائلته، والهدف ـ بالاضافة الى تحسين النسل، والابتعاد عن الامراض الوراثية ـ هو التعارف بين الاسر وتقوية اواصر المجتمع وبالتالي حل جزئي لمشكلة العنوسة لان التعارف بين الاسر سوف يكشف من هن في سن الزواج، ايضاً شرع الله امكانية تعدد الزوجات حتى اربع في عصمة الرجل، وهذا ايضاً حل لمشكلة العنوسة، ولمشكلة الارامل والمطلقات.

27/3/2006


جريدة تشرين 

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon