بهذه الكلمات تبدأ الكاتبة البرتغالية سيسيليا ميرايل كتابها /مشكلات الأدب الطفلي/ وعند هذه النقطة تلتقي الآداب جميعاً، إذ ليس الأدب ما يُكتب، بل ما يُقرأ، فغايةُ الأدبِ الناسُ، وكل ما ينسى يبدو وكأنه لم يحدث؛ لهذا كانت الإحصائيات التي ترصد مبيعات الكتب، علماً أنه ليس بالضرورة أن تكون الكتب التي تنفذ من المكتبات قد قُرئت كلُّها؛ إلاّ أن مهمّة الإحصاء تتوقف عند المبيعات لعدم توفر آلية صحيحة قادرة على إحصاء الكتب المقروءة. وهنا لابد من التساؤل: - ما الذي يفضل الأطفال قراءته؟ - المشكلة أن الإجابة متبدلة حسب الأزمنة والأمكنة، فَسُوق الكتابِ قد تعرض هو الآخر لما تعرضت له أسواق البضائع الأخرى من المنافسة، إضافة لكون واقع الناس في تغير وتبدل مستمرَّين؛ ثمةّ ثوابت - لا شك بذلك - وهذه الثوابت يجب أن ينطلق منها الكتّاب لاستعادة الأطفال القراء أولاً؛ ولتبليغ رسائلهم الإنسانية ثانياً. ولا يتم ذلك للكتّاب الذين كرسوا بعضاً من وقتهم للكتابة لعالم الصغار؛ إلا إذا أخذوا بعين الاعتبار أن عالم الطفل متكامل وقائم بذاته، أيّ أن الطفل – أي طفل – يجب أن يُعامل على أنه كيان ذاتي مستقل له مقوماته الشخصية. ثمة من يقول: ليست الطفولة سوى مرحلة انتقالية، هذا الكلام صحيح، والأصح إنها مرحلة انتقالية وأساسية في تكوين الفرد، وقد تغيرت حدودها متأثرة بما توصلت إليه المجتمعات الإنسانية من تطور؛ وهذه المرحلة تتطلب من القائمين عليها الحماية والرعاية، وليس الهيمنة. واستناداً لعلم التربية يمكن للأدب المكتوب للأطفال – إذا حقق التواصل – أن يكون قوة دفع للوصول لنتائج بعيدة المدى، وهذه القوة التي تجعل الصغار يجتازون الجسر الذي يفصلهم عن عالم الكبار؛ لا يمكن أن تتأتى إلا إذا أخذنا العلاقة بين ما نكتب للأطفال وبين الأطفال أنفسهم على محمل الجد الذي لا تخامره الشكوك. يقول أرسطو: طإن الطفل يرسم ويصور ما يحسّ به، وليس ما يعلمه أو يراه ط. فالطفل عفوي مباشر، وعالمه عالم صور وأحاسيس، يستبعد التوجيه غير المدروس؛ ولذلك ترانا لا نستطيع أن نحكم على الأدب المكتوب للأطفال؛ مالم نتعرف على خصائص الأدب الذي يجب أن يُكتب للأطفال؛ لننطلق منها إلى عالم الطفولة. وهنا يجب أيضاً أن نفرقّ بين الكتاب المدرسي؛ والكتاب المكتوب لتثقيف الطفل، حتى وإن كان هذا الهدف يقدم له بذريعة التسلية، علماً أن الكتاب المدرسي والكتاب التثقيفي /قصة _ شعر _ مصور/ هو في الحقيقة من خلق وقصد الكبار، ومضمونه محكوم على فائدته من قبلهم أيضاً، فهو ينقل وجهات نظرهم ومصطلحاتهم وأسلوبهم أيضاً، وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: هل بقي في الكبار من طفولتهم ما يؤهلهم لمعرفة ما يريده الأطفال؟! وما الذي في نفوس الأطفال من عالم الكبار ليدفعهم لتقبل ما يقدمه لهم الكبار؟! ونحن نعرف أن جميع الأعمال التي أُنتجت بهذا السياق - هي بمجملها - جاءت لتخدم أفكاراً مسبقة؛ ليس بالضرورة أن تنسجم مع متطلبات الأطفال، من هنا كان علينا أن ننطلق من امكانية التنبؤ باهتمامات الأطفال واحتياجاتهم الخيالية ليكون الأدب المكتوب لهم منسجماً مع أساليب تفكيرهم المتّغيرة، وليس علينا أن نعتقد أن طبيعة التفاعل بين الأطفال وكتبهم المفضلة هي مهمة سهلة. وأقصر الطرق إلى ذلك وأهمها أن نسال الأطفال أنفسهم؛ عبر نوافذ للحوار نفتحها معهم، وليس إحصائيات يقتصر فيها الجواب على " نعم " أو " لا "، فالوصول إلى أجوبة شافية يستلزم منّا بحث المسألة من وجهتيها الأدبية والنفسية، لأننا بدون أن نعتمد في إنتاجنا الأدبي المكرّس للأطفال على فلسفة ومنهج؛ لا يمكن أن نتواصل مع عالم الطفولة كما ينبغي، ونحقق النتائج المرجوة: أولاً: يجب أن نراعي قاموس الأطفال اللغوي في كتاباتنا الموجهة لهم، فكل ما هو خارج هذا القاموس هو غير مفهوم بالنسبة لهم؛ وهذا يقتضي منّا أن نراعي العمر الطفلي الذي نتوجه إليه، فلكل سن قاموسه اللغوي الخاص. ثانياً: أن ندرك أبعاد البيئتين الاجتماعية والجغرافية في أدبنا الموجه إلى الأطفال، وتلك إحدى العوائق التي تقف بين الاطفال والأدب المترجم. ثالثاً: يجب أن نأخذ في الحسبان أن الطفل لا يدرك مسألتي الزمان والمكان عقلياً، بل يعيشهما، فعقله في عينيه وحواسه. رابعاً وأخيراً: علينا أن نعي المنافسة القائمة بين الكتاب والوسائل التعليمة والترفيهية الأخرى التي تحيط بالطفل، - كالتلفزيون والكمبيوتر والأنترنت والألعاب المسلية - وليس لنا من سبيل إلى ذلك إلا إذا اعتمدنا منطق العلم في التعامل مع الاطفال، إذ ما من أحد - اليومَ - يستطيع أن يتجنب فتح عينيه، فالعالم قد تغيّر بعد الثورة الصناعية أكثر مما تغّير خلال القرون التي خلت، ومن واجب كل من تراوده نفسه أن يكتب للأطفال أن يدرك - أولاً - أنه يكتب لورثه المستقبل، ومتى ما أدرك ذلك يكون قد أدرك المسؤولية المترتبة على عمله هذا.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon