لكل موسم زرع موسم حصاد، وما من زرع إلا وحصاده آت. فهل سنحصد ما زرعناه؟ أم أن ما زرعناه سيغدو هشيماً تذروه الرياح؟ قبل هذا كله، هل قمنا بالزراعة فعلاً؟ أم أننا نتوهم ذلك وندّعيه؟ إن ما زرعناه هو تعب أطفالنا ومعلمينا على مدار العام الدراسي، هو ذلك الوقت الذي قضاه الجميع في العمل والأمل طمعاً ورغبة في الوصول إلى النتيجة المبتغاة ألا وهي النجاح ومن ثم الحصول على علامات عالية تمكّن الطالب من الدخول إلى الجامعة الحكومية (الحلم الذي أوشك أن لا يطال) أو على الأقل دخول إحدى الجامعات الخاصة، ولا يقتصر الحلم على طلاب الشهادة الثانوية وذويهم بل سبقهم في الحلم طلاب شهادة التعليم الأساسي الذين ذهبت معظم أحلامهم دخاناً في ضباب اليوم الأخير من الامتحانات (امتحان مادة اللغة العربية) حين أطل علينا الذي وضع الأسئلة بمواضيع تعبير يعرف فحواها فقط أبناء الطبقة المخملية، ولنكن أكثر موضوعية، إنها تنطبق على أبناء المدن، فليس لأبناء الريف نصيب من تلك المواضيع التي جعلت كثيراً من أطفالنا يشطحون بخيالهم، وذلك حين طلب منهم أن يكتبوا عن الهرة الجائعة أو عن ذلك الأخ الذي تاه في مدينة الملاهي، وما أدراكم ما مدينة الملاهي يا أبناء البادية والقرى النائية؟ لقد كانت كتابات الأطفال عن مدينة الملاهي قضية مثيرة للضحك والاستغراب. بعض الطلاب كتب أن أخاه ضاع في مدينة الملاهي التي تقع في منطقة وسطى بين الأرض والسماء ولذلك لن يستطيع الوصول إليه مطلقاً. المهم ليست قضية موضوع التعبير فقط، إنما المسألة الأهم هي لماذا نصر على طريقة امتحانية تقليدية؟ فقد مضى وقت طويل ونحن نطبق الطريقة نفسها.. بينما تغيرت في العالم كثير من المفاهيم والقيم التربوية، وظهرت طرق امتحانية جديدة ومتطورة تواكب التقدم التقني والعلمي الذي تجاوز حدود المتخيّل والتصور. لقد حدثت ثورة في عالم المناهج التربوية رافقها انفجار معرفي هائل أدى إلى تغير شامل في طرائق التدريس وأساليب الاختبار والامتحان على مستوى العالم، ولكن كانت استجابتنا لهذه المتغيرات بطيئة وبطيئة جداً ومتأخرة إلى حد ما. وبما أن الامتحانات تمتلك قيمة كبرى في العملية التربوية يتحتم علينا أن نوليها اهتماما يتجاوز الشكليات ويتعداها ليصل إلى المحتوى والغاية المرجوة من هذه العملية الشاقة المجهدة للأهل والطالب والقائمين على العملية التربوية بشكل عام. فليس من المعقول أن نهمل كافة نشاطات الطالب طوال العام الدراسي ونأتي لنقيّم مدى تحصيله الدراسي في مادة ما خلال ساعتين أو ثلاث ساعات. إن لهذا الأسلوب الامتحاني نتائج سلبية وخطيرة في كثير من الأحيان على الطالب والتربية والأهل. تحولت امتحاناتنا من وسيلة تقييم للمعرفة إلى غاية نعمل جميعنا دون وعي على الوصول إليها ومن ثم تجاوزها كي نحصل على العلامة المبتغاة تاركين خلف ذاكرتنا ووعينا كافة المعارف التي تعرضنا لها على مدار المرحلة الدراسية بأكملها. أظن أن ما نحن عليه الآن لن يمكّننا من التقدم نحو الأمام بخطى صحيحة لا من حيث نماذج الأسئلة ولا من حيث طريقة الامتحان كمراقبة أو تصحيح. فعملية المراقبة لوحدها عملية مجهدة ومضنية ولكن لا بد منها، فبدون مراقبة دقيقة ضمن المعطيات الحالية والقيم السائدة ونظرة الأهل والطالب والمجتمع بشكل عام للشهادة تصبح العملية الامتحانية غير صحيحة وغير صحية، مما تؤدي إلى نتائج وخيمة على المستوى العام للتحصيل العلمي والمعرفة. تحمل عملية المراقبة الكثير من التشابكات، بدءً من عملية اختيار المراكز والأسرة التربوية التي تشرف على العملية بأكملها، ولكن المثير للجدل هنا هو عملية اختيار مندوبي التربية ومندوبي الوزارة. فلست أدري ما هو المقياس الدقيق الذي يتم من خلاله اختيار(زيد) أو رفض (عمرو). أعتقد أن للخبرة دور وللأخلاق دور أكبر في ذلك، وهذا الأمر نفسه ينطبق على رؤساء المراكز وأمناء السر وحتى المراقبين الذين هم بتماس مباشر مع الطالب الذي يمتحن. ولكن هل تراعى كل هذه الأمر؟ وعلى ذكر المراقبة، استغربنا جميعا حالة النقص التي حدثت في مراكز امتحانات التعليم الأساسي التي تقع في الريف بشكل عام. وبعضها تقع في مراكز بعض المدن. ربما نتج النقص عن عدم رغبة المكلفين بالمراقبة بالقيام بهذا الواجب التربوي الثقيل، أو ربما هي ردة فعل تجاه الأقوال التي تحدثت عن عدم وجود (أذونات سفر) أثناء فترة الامتحان والاكتفاء بنظام الجولات الذي نجهله جميعا لكوننا لا نعرف على الأغلب ما هي حقوقنا المالية و لا حتى نعرف ما هي واجباتنا! (الذي لا يعرف حقوقه بالتأكيد لن يعرف واجباته). ومعضلة أخرى تواجهنا في الامتحان ألا وهي عملية التصحيح، هذه المهمة الشاقة التي هي بوابة العبور نحو المستقبل بالنسبة للطالب والأهل، غير أن هذه العملية الشاقة والمتعبة والمكلفة بنفس الوقت خطوة نهائية لا غنى عنها، ولكن ضمن هذه المشقة نهضم حق المفصل الأهم في عملية التصحيح ألا وهو المدرس الذي يمتلك بين يديه وضميره مستقبل الجيل بالكامل. ( فلا يمكن لمن هُضِم حقُه أن يعطي الآخرين حقوقهم). إن المبالغ التي تصرف على الامتحانات مبالغ طائلة ولكن ما يصل منها إلى القائمين على العملية الامتحانية بشكل مباشر من مراقبين ومصححين يكاد لا يذكر مقابل ما يأخذه شخص آخر، له علاقة بالامتحانات، لكن جهده لا يستحق كل ما يحصل عليه مقارنة بجهد من ذكرناهم سابقا! فالنظر في تعويضات المراقبة والتصحيح وعدالة توزيعها تلعب دوراً كبير في ضبط العملية الامتحانية بالكامل وتساهم بشكل ما على الحد من عملية الغش أو الغبن التي تحدث في الامتحان، هذا في حالة إصرارنا على التمسك بطريق الامتحان التقليدية. لقد حان الوقت كي نقف بجد أمام هذه القضية الهامة التي ندفع سنويا ثمناً باهضاً لها من تعب معلمينا ومدرسنا وجهد الطلاب و أهليهم وأموالهم وأموالنا جميعاً على امتداد مساحة هذا الوطن وعلى امتداد أحلامنا، فالعقل البشري لم يتوقف عند حدود معينة وساحة الإبداع مفتوحة أمام من تمنح لهم أقل مساحة من الحرية كي يأتوا بما هو مفيد للجميع. لماذا لا نشرك الأهل والطلاب والمدرسين والمعلمين ومراكز البحوث وكليات التربية في المساهمة بإيجاد طرق مثلى للعميلة الامتحانية نضمن فيها عدم هدر الوقت والجهد والمال دون فائدة للجميع ودون هضم حق أحد. رغم كل ما ذكرناه سابقاً نعترف أن عملية تطوير الامتحانات مسألة ليست سهلة وتحتاج لجهد ووقت وبالدرجة الأولى إلى جدية وإخلاص.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon