لقد درس علماء النفس المستويات والأطوار والمراحل التي يمر بها نمو أية عملية نفسية (التفكير, الإدراك, الذاكرة), ونمو أي نشاط (اللعب, العمل), وكذلك نمو شخصية الطفل بمجملها و الظروف التي تسرع أو تبطئ سير هذه العملية, وقد شملت الدراسات تأثير الرسم والتلوين في حياة الطفل. المحاولات الأولى: حاول الإنسانُ منذ القدمِ أن يُجسدَ أفكاره على أرضِ الواقع بأي شكلٍ من الأشكال, لذا بحث هذا الإنسانُ جاهداً لإيجادِ الشكلِ الأمثلِ والمناسبِ لحملِ هذه الأفكار ووضعها موضع التنفيذ وإظهارها للعيان, فحاكى الإنسانُ الأولُ الطبيعةَََ، وبدأ يدوِّن مايراه ومايشعر به فأبدعَ الرسم حين وجد أن لغةَََ الإشارةِ غير قادرةٍٍ على مواكبة تطوره وتطور أدواتِ حياته ومفرداتها اليومية؛ على الرغم من أهميةِ لغةِ الإشارة وقدرتها على إيصال الفكرة إلى المتلقي، فجاء الرسمُ متمماً للإشارة, فأصبح - أي الرسم - هواللغة التي يمكن أن تُسافر بعيداً وتبقى أمداً أطول؛ ويمكن أن تُفهمَ وتُستوعبَ مِنْ قِبَلِ الأكثرية, لذا ظهرت للرسم أهميةً جعلته يتحولُ من لغةِ تواصلٍ للمعاشِ اليومي؛ إلى قيمة فكرية ودلالة على مستوى وعي ونضوج فكري معين، على الرغم من فطريته أحيانا. هذه الفطرية التي مثلت الصورة الصادقة للأصل المجرد من أي تزييف ,البعيد عن أي تشويه قد يؤثر على مصداقية الرؤية البصرية للمبدع وعلى لغته الأولى ووسيلته. استطعنا فيما بعد أن نكتشف أن لهذا الفن الفطري القدرة على فهم المحيط حينما أكسبناه أي - الفن الفطري – قدرةً على حمل الفكرة التي أراد الرسام أن يوصلها إلى المتلقي؛ فالتجسيد الفني هو محاولة جادة لتحويل الأفكار والمعاني والأحوال والأقوال إلى صورٍ وأشكال وهيئات تظهر على شاشة اللوحة وعلى مداها، بحيث تبدو جميلة ومثيرة وقادرة على تحريك الساكن لدى المشاهد المبصر والمتبصر فيها.
الصوت والصورة: اللغة كائن حي ينمو ويتطور وهي ليست لحمل الصورة المنقولة عبر الكلمات والشكل المتخيل لهذه الصورة فقط, بل هي حاملٌ مهمٌ للأفكار والقيم التي نود إيصالها, كما أنها تحمل بين طياتها مشاعرنا وعواطفنا ومواقفنا تجاه الأشياء, ولكل لغةٍ ميزة خاصة تميزها عن غيرها، وذلك في طريقة إيصال محمولها إلى الأخر, ولهذا نجد أن أخصائيي فقه اللغة يهتمون كثيراً بالصورة المخفية بين طيات الكلمات, إذ أنهم بفضل ذلك المخبوء خلف عالم اللفظ يستطيعون إن يصلوا إلى المرجو الحقيقي من الخطاب اللغوي, وهذا الحال ينطبق على كافة اللغات المنطوقة وغير المنطوقة، ونقصد هنا بغير المنطوقة لغة الإشارة والفن بكافة أشكاله وأطيافه المتنوعة والمتعددة, فلغة الصورة الظاهرة رسماً تُخفي بين طياتها رسالةً بالغة الأهمية، ذات دلالات عميقة وغموض مغرٍ, وهذه الرسالة تحتاج لفك رموزها كي يدخل المتلقي إلى عوالم تنفتح خلف أفق الصورة وعلى مدى الخيال، لذا كان التركيز على ترابط الصوت والصورة جزءاً مهماً في عملية تلقي المشاهد للصورة التلفزيونية والمشهد المسرحي؛ الذي يعتمد على التكوين الجسدي (الصورة) والسمعي (الصوت). وعلى هذا الأساس عمل الكثيرون على تحويل المسموع إلى صورة مدرَكة بالبصر؛ وجعل العين تسمع حين تُحوِلُ ما تراه إلى صورة, كما كانت الأذن ترى حين راحت ترسل إلى العين ماسمعت كي تنتج شكلاً محددا ًيفضي إلى لوحة وصورة، وهذا الأمر جاء من عدم كفاية اللغة على إعطاء القدر الكافي من الوضوح وعوامل الجذب, مما يجعلها أحيانا عاجزةً عن أداء مهمتها, ضعيفة بمفردها لاتستطيع امتلاك القوة للإتيان بكامل المعنى, وهذا الأمر يختلف من لغة إلى أخرى، وحسب المتحدث والمتلقي، إذ أن اللفظ يبقى غير دقيق، وليس كافياً بمفرده لإتمام المهمة ,وفي إحدى التجارب التي أجريت في هذا المجال؛ تبين مدى تباين فهم اللغة وتحويلها إلى صورة من شخصٍ إلى أخر، فقد قامت إحدى المؤسسات التي تهتم بالفن بإرسال خطابٍ إلى ثلاثةٍ من الفنانين، يتضمن هذا الخطاب وصفاً لحيوان آكل النمل - الذي لم يره أي واحدٍ من هؤلاء الفناين من قبل - وعليهم أن يرسموا هذا الحيوان بالصورة التي أدركوها عبر الخطاب الموجه لهم؛ حين جُمِعَتْ هذه اللوحات التي أنتجها هؤلاء الفنانون, تمت مقارنتها مع صورة فوتوغرافية لحيوان آكل النمل؛ فظهرت عدة أشكال لهذا الحيوان تختلف عن صورته الحقيقية, فكلٌ منهم قد رسمه بهيئة تختلف عن الآخر, مع أنْ الخطابَ الموجه للجميع هو خطاب واحد. من هذه التجربة نُدرك أن مدى قدرة اللغة على تجسيد الصورة لا يتوقفُ على قدرة المتحدث على التوصيف الدقيق والنقل الأمين بعيداً عن الآراء والعواطف؛ أو اقترابه الشديد من هذه العواطف والمشاعر، ولا يتوقف - أيضاً - على قدرة المتلقي على فهم هذه اللغة وإنتاجها حسب فهمه لها, بل يتوقف على كل هذه العوامل مجتمعة، مضافاً إليها إمكانية اللغة على الإحاطة بالمراد وصفه ونقله مهما كانت رشاقة اللغة وحيويتها وخصائصها, من هنا كان الرسم أداة تواصل مهمة للكبار والصغار, إلا أن أهميته بالنسبة للصغار تأتي من كونه وسيلة من الوسائل التي تساهم في تطوير عملية النمو بكافة أشكاله ومراحله وهذا ما سنراه لاحقاً.
أهمية مادة الرسم: على الرغم من كثرة المواد الدراسية؛ وأهميتها في إثراء المجال المعرفي لدى الأطفال في سني الدراسة الأولى - وخاصة بين سن السابعة والخامسة عشرة، وهي المرحلة الحرجة من مراحل النمو الذهني والعاطفي والإجتماعي لدى الأطفال - تبقى مادة التربية الفنية - والرسم تحديداً - مادة حساسة جداً، تحتاج لعناية خاصة من قبل الأهل والمدرسة، وعلى وجه التحديد مدرسي مادة الرسم. من خلال دراسة مراحل النمو لدى الأطفال؛ ومتابعة تطور هذه المراحل؛ ومراقبة العوامل المؤثرة بهذا النمو - سلباً كان أو إيجاباً - ندرك أهمية الفن، ودوره الكبير في تكوين شخصية الطفل، وتنمية مداركه العقلية، وتطوير قدرته على المحاكمة, والعمل على هذا المجال الهام جداً يحتاجُ للإيمانٍ بالهدف، والصبر والمواظبة والعمل الدؤوب مع الطفل كي يبدأ خطواته الأولى في عالم الفن بشكلٍ علمي صحيح. ويحتاج الطفل الرسام لاهتمامٍ خاص عندما يجتاز هذه السن الحرجة, فكثيرٌ من المواهب الفنية تموت في مهدها، وقبل أن تبدأ بالحبو, وخاصة في حال وجود عوامل كبح وكبت, ومن هذه العوامل البيئةُ الخارجيةُ المحيطة بالطفل؛ من أسرة ومدرسة وجيران ومعتقدات وتقاليد وغيرها, فهذه المؤثرات - التي تقف عائقاً أمام تطور الملكة الفنية والإبداعية عند الطفل - تعمل بشكل متناوب و مؤثر على إيقاف التطور الراقي للإبداع الذي يُعرّف على أنه إعادة صياغة الواقع والمفاهيم والحقائق بشكل جديد, أي ترتيب الأشكال والمواضيع والمواد بنظام جديد وفقاً للنشاط العاطفي والذهني. فالإبداع هو إيجاد شيءٍ جديدٍ واستخدامه بشكلٍ جديد وتقديم شيءٍ يحمل الفائدة بشكلٍ مغايرٍ لما هو مألوف. يقول أرسطو: "إن الطفل يرسم ويصور ما يحس به وليس مايعلمه أو يراه, إنه يتناول في رسوماته أجزاء المادة التي تترك لديه أثراً إنفعاليا". فالطفل حين يرسم يعيد صياغة الأشياء وفقاً لاحاسيسه ورؤاه, فيقوم هذا الفنان الصغير بتشكيل عوالمه الخاصة التي يراها بشكل مغاير لرؤية الآخرين، ويحاول بناء الأشكال وفقاً لمقتضى تصوره وخياله المتقد الذي يتجاوز حدود خيال الكبار, لدرجة دفعت أحد الباحثين للقول: "كم أود لو أسير في الدروب التي يسلكها فكر الطفل الصغير خلف الحدود". هذا الخيال الواسع هو الذي سيعمل بالتأكيد على فتح الآفاق أمام الطفل كي يدرك الواقع فيما بعد؛ ويتعرف على حدود الممكن و يتجاوزه إلى الأبعد؛ الذي قد يبدو مستحيلاً في نظر البالغين.
الموقف من مادة الرسم: يقال إن الطفل يصبح راشداً عندما يدرك أن له الحق - ليس فقط في أن يكون على صواب - بل في أن يكون على خطأ أيضاً، من هذا المنطلق في أحقية اتخاذ القرار؛ تكون أمام الطفل الفرصة الأولى لتحقيق ذاته , علما أنه مازال الكثير من الأهل ينظرون إلى هذه المادة نظرة استخفاف؛ ويعتبرونها مضيعة لوقت الطفل، وسبباً في أهمال واجباته المدرسية, فيعملون على بناء الحواجز بين الطفل وبين ما يحب ويرغب في مجال عالمه الفني الخاص، وهذا سوف يُنتج مشاكل أخرى، ستشكل معضلة جديدة تجعل الأهل يبحثون عن حلول لها. هذه العوائق وغيرها ربما تفقدنا فرصة إبداعات قد تكون مهمة, وقد تسهم بالتأكيد في خنق حالة إبداع وقتل موهبة فنية ستكوّن فنان المستقبل, إذ يرى بعض خبراء وأخصائيي فن الطفل أن التجربة الفنية المبكرة للطفل والموهبة التي يتمتع بها هذا الطفل؛ سيتحدان في حالة وجود المناخ المناسب، كي يكوِّنا ويشكلا شخصية الطفل بطرق ووسائل متنوعة، تبقى ثابتة خلال فترة طويلة من الحياة, بينما يرى أخرون أنه أثناء فترة النمو تتداخل - وبشكلٍ متزايد ومتواصل - تأثيرات ثقافية وبيولوجية على شخصية الطفل، وذلك عبر عملياته المعرفية الخاصة به, أو عبر العمليات المعرفية التي يفرزها المجتمع.
نحن والأطفال والفن: يحيط بنا الفن من كل الجهات والجوانب، وإذا ما أمعنا النظر في كل هذا الذي يحيط بنا سندرك أننا محاصرون بالفن، ومع ذلك مازال الكثير منّا لا يعرف ما يكفي عن الفن كي نستطيع أن نرشد أطفالنا إليه ,لذلك علينا أن ندل أنفسنا عليه في البداية. نشعر أحياناً أن قطار الوقت قد فاتنا وما عدنا قادرين على البدء برحلة تعلم الفن، ومتعة إدراك جوانبه الساحرة, ونشعر بالعجز المفرط, وينتابنا الإحساس أنه ما عاد مجدياً أن نمسك بيد أطفالنا ونخطو معهم نحو ذلك العالم الرحب الواسع, فلندع لهم فرصة المحاولة ومتعة التجريب، كي يكتشفوا هذا العالم المفعم بالإغراء, المترع بالنشوة, والمليء بالغرائبية والدهشة, وكما هو معروف ومعلوم أن الدهشة هي جذر الفلسفة والعلوم, لذا علينا أن نوفر عوالم الإدهاش كي نوفر لأطفالنا على الأقل فرصة قد تبدو بسيطة، ولكن هذه الفرصة مهمة في تحقيق ما نريد؛ لذلك نجد أن الإحساس الذي تحدثنا عنه من قبل؛ هو مجرد إحساس غير حقيقي، وهمي وليس دقيقاً تماماً، فإظهار عدم معرفتنا وتصوير ذلك على أنه مستحيل نابعٌ من عجزنا وعدم قدرتنا على اجتياز أبسط الحواجز، لقد سأل الممكنُ المستحيلَ: أين تقيم؟ فأجاب: في أحلام العاجزين. فعلينا - إن لم نكن قادرين على التخلص من عجزنا - أن لا نعمل على جعل أبنائنا عاجزين. الوقت مهمٌّ جداً, والمرحلة العمرية المبكرة تلعب دوراًً كبيراً جداً في التنشئة الصحيحة؛ وتأسيس الأرضية المناسبة للإبداع؛ الذي نحن بأشد الحاجة إليه في هذا العصر المتزاحم المشاكل, المحموم حركةً وتبدلاً والذيً لا يثبت على حالٍ، ولا يدوم له شكل معين ولا موقف ثابت.
الفن والرعاية: الفنُ - بكافةِ أصنافهِ وأشكالهِ - يحتاجُ لرعايةٍ خاصةٍ ومتواصلةٍ، وخاصةٍ في مرحلة البدايات وطور التكوين والتشكل الأولي، فهو - كالطفل الصغير - بحاجةٍ مستمرة لرعاية الوالدين. تولي المؤسسات التربوية في العالم الغربي أهميةً خاصة للرسم، لذا نجد مؤسسات متخصصة في هذا المجال، وكثير من المؤسسات العالمية التي تهتم بفن الطفل تعتمد في مناهجها وسائل متطورة جداً، وأساليب تربوية حديثة، تُمكن هذه المؤسسات من إيصال رسالتها بشكلٍ صحيحٍ, مثل المؤسسة العالمية لفن الطفل (ICAF) ومدرسة (تشارلوت ماسون) لتقييم الفن. إذ يوجد في أساسيات تدريس مادة الأطفال في هذه المدارس مادة تدعى دراسة الصورة، يقوم المدرس بعرض صورة على الأطفال ويطلب منهم أن ينظروا إلى الصورة بعناية وتركيز, ومن ثم يقوم بإجراء عدة أنشطة على هذه الصورة.. قد يطلب المدرس من طلابه وصف اللوحة وهي أمامهم, أو ربما يطلب منهم تذكّر مفردات اللوحة أو ألوانها أو موضوعها, وأحياناً يطلب منهم تمثيل مافي اللوحة.. من المهم جداً أن يُمنح الأطفالُ وقتاً محدداً كي ينظروا إلى الصورة بهدوء وبإمعان؛ دون أي مقاطعة أو سؤال أو مناقشة, عندها ستتاح للطفل فرصةٌ جيدة كي يدخل إلى عالم الفنان ويقرأ أفكاره.. ربما يتشتت إنتباه الطفل مالم نقدم له بعض المساعدة، ولكن دون الدخول في تفاصيل اللوحة.. هنالك نشاطٌ أخر يمكن أن يطبقه المعلم أثناء دراسة اللوحة، إذ يقوم بقراءة قصة للأطفال، ثم يَعرضُ لوحةً تتعلقُ بالقصةََِ التي قرأها، ثم يطلبُ من الأطفالِ أن يكتشفوا أي جزءٍ من القصةِ تحوي هذه اللوحةُ. هذا النشاطُ أنسبُ مايكون للأطفالِ الصغارِ..و بإمكانِ المعلم أنْ يتركَ مجالاً للأطفال بأن يتناوبوا على رواية القصة من خلال اللوحة.. مهما حققّ الأطفالُ من تقدمٍ في هذا المضمارِ - وإنْ كان بسيطاً وضئيلاً - فهو شيءٌ جيدٌ ويمكن التأسيس عليه في المستقبل, إذ يساعد هذا النشاط المتميز على تطوير قوة الملاحظة عند الأطفال، كما أنه يعلمنا كيفية النظر إلى اللوحة, ويساهم في تطوير الأحساس بالجمال. تحتوي بعض المدارس على قاعات مخصصة للرسم؛ يستطيع المدرس من خلالها أن يُنْجِزَ مهمته على أكمل وجه, ويتحقق للطفل شرطٌ مناسبٌ كي يتفاعلَ مع أدواته، ويغدو جزءاً من لوحته الفنية.. تمنح قاعة الرسم الطفل الحرية الكاملة كي يبدع, كما أنها تساعد المدرس على أمتلاك أدواته التعليمية والتربوية بشكلٍ أمثل يمكّنه من تقديم النصح والإرشاد لطلابه بالوقت المناسب والشكل المناسب والصحيح. لا بد في النهاية من تحقيق فائدة من هذه العملية لتعمم هذه الفائدة على أطراف وجوانب ومفردات الحياة. "وقد وصل الأمر إلى القول: إن العلوم نفسها - رغم مالها من أهمية - لايمكن أن تقود إلى النفع إلا إذا تحولت إلى فنون, أي تطبيق نتائج العلوم بأساليب فنية". ..فالمدخل إلى علم نفس الطفل يتطلب تحليلاً دقيقاًلجميع الشروط والعوامل والظروف التي تحدد نمو الطفل من خلال التأثير المتبادل فيما بينها, كما يستدعي تحليل التناقضات التي تنشأ أثناء انتقال الطفل من المستويات الدنيا إلى المستويات العليا, وتحل من خلال نموه. لذا فإن دراسة عالم الطفل تقتضي دراسة دور تلك العوامل , كالوراثة وفعاليات الطفل ذاته, وتأثير الكبار كقدوة ومثل فيما يتبعوه من نظام تربوي وتعليمي مع العلم بأن الشيء "المتغيِّر والحاسم في عملية تحولِ المعرفة إلى قيمةٍ هو الإبداعُ" هذا ما قاله جون كاو؛ وما نحتاجُ إليه نحن.. فكيفَ نبدأ؟.. ومن أين؟.. وإلى من نتوجَّه؟. أجمعتِ الدراساتُ السيكولوجيةُ الحديثةُ على أنَّ نمو الأطفال يمكن تعزيزه بالتركيز على مواهبهم الفنية، فقد سمحت تقنيات التصوير الحديثةُ للخبراء والأخصائيين والباحثين أن يروا داخل الدماغ، ويشاهدوا تأثير التجارب على تطوُّرِه ونشاطه. كما تظهر البحوث أنه خلال مرحلة الطفولة تحدث ملايين التشابكات أو الروابط بين الأعصابِ، وتتطور العلائق بين هذه التشابكات والروابط؛ لتشكل أرضية الإبداع والتواصلِ. وإذا ما تمَّ تجاهل الإبداع الفني - أو كبته - في مرحلة الطفولة؛ فسوف تُفقَدُ فرصةٌ فريدةٌ، ويمكننا أن نلاحظ تأثيراتٍ كهذه في الخصائص النفسية والعاطفية والاجتماعية والعقلية التي تميز بين طفلٍ وآخر. ويعتقد بعض المنظرين أن الموهبة الطبيعية والتجربة المبكرة يتحدان ليشكلا شخصية الطفل، بينما يعتقد آخرون أنه أثناء نمو الطفل يمكن أن تتداخل - وبشكلٍ متزايد - تأثيراتٌ ثقافية وبيولوجية على شخصيته، وذلك عبر عملياته المعرفية الخاصة، أو العمليات المعرفية للمجتمع، ولذلك يحتفظ الشخص دائماً بالأشياء الكامنة كي يغير مسار نموه وتطوره. يقول هؤلاء الأخصائيون: إن الأشخاص ليسوا نتاج المجتمع فقط، بل إنهم مشاركون وفاعلون في تكوين اجتماعيتهم، وفي تشكيل مظاهر السلوك الاجتماعي أيضاً. من هنا كان علينا أن نعامل الأطفال؛ ليس على أنهم أطفالٌ، بمعنى أنهم غير فاعلين؛ بل يجب أن نأخذ في اعتبارنا فعالياتهم، وألاّ نظلمهم بتقدير قيمة تلك الفعاليات؛ سواءً كانت تلك الفعاليات اجتماعية أو إبداعية. ولأننا بصدد الحديث عن إبداع الأطفال؛ سنتوجه إلى الفعاليات الإبداعية على وجه الخصوص. "أنا فنان لدرجةٍ تكفي لأن أعتمد على خيالي، خيالي أهم من المعرفة، المعرفة محدودة، بينما خيالي يطوِّق العالَم". هذا ما قاله ألبرت إينشتاين رغم انشغاله بالمعرفة لدرجة الإنجاز الذي جعله من أهم علماء القرن المنصرم. وهذا التوضيح - للفرق بين المعرفة والخيال - يرجِّح كفة فعاليات الأطفال التي تأخذ منحىً إبداعياً، وتدفعنا - إن نحنُ أدركنا مسؤولياتنا - أن نتوجه إلى تلك الفعاليات بالعناية الفائقة، لنكون التغيُّر الذي ننشده في العالم، كما يقول المهاتما غاندي، وإلا فإننا سنقف على حافة وهم إنجازاتنا - كآباءَ وأمهاتٍ - تلك الحافة التي تقول بحفظ النوع. فكيف نساعد أطفالنا على تحقيق طاقاتهم الفنية الكامنة؟. لكي ندرك ذلك؛ علينا أن ننظر أولاً إلى العوامل البيئية التي تؤثر في حياة الطفل. ولقد حدد الأخصائيون أربعة مستوياتٍ مختلفةٍ من المؤثرات البيئية في حياة الطفل. 1 - يتكوّن المستوى الأول من مجموعة النظم الصغيرة المحيطة بالطفل " العائلة - الجيران - المدرسة". 2 - المستوى الثاني: وهو مجموعة النظم التي تحدد وتصف الطرق التي تتفاعل من خلالها نظم المستوى الأول مع بعضها البعض. 3 - المستوى الثالث: وهو مجموعة النظم الخارجية التي تدل على الأطر الاجتماعية التي لا تحتوي على الأطفال، ولكنها تمتلك تأثيراتٍ عليهم، مثل " المنظمات - المعاهد - وسائل الإعلام - الأنظمة السياسية - وسائل النقل - الحالة الاقتصادية وشبكة علاقات الوالدين الاجتماعية". 4 - المستوى الرابع: وهو أعلى مستويات المؤثرات البيئية، والتي تعكس الحالة الثقافية العامة، والمعتقدات المتعلقة بحاجات الأطفال، كالقيم والمُثل والقوانين والعادات والتقاليد. هذا الترابط والتواصل بين البيئة والكائن الحي؛ يدل على أن هناك تداخلاً بإمكانه أن يعزز ويدعم نمو الطفل وتطوره، إضافة لدور الوراثة في عملية نمو الطفل. وقد رأى الباحثون أن ملامسة حياة الأطفال، والعناية بتوجهاتهم الإبداعية - الفنية: لا تعزّز نموهم الإبداعي وحسب، ولكنها - أيضاً - تدفع بنموهم العاطفي والذهني والشخصي إلى الأمام. فالأطفال أثناء المرحلة الوسيطة من عمرهم، ينظرون إلى أُناس أكثر من اجل الحصول على معلومات حول ذواتهم وأنفسهم، وذلك حين يدخلون كمشاركين في طبقة أوسع من الأطر الاجتماعية في البيت والمدرسة، ينعكس ذلك من خلال إشارات الأطفال المتكررة إلى المجموعات الاجتماعية أثناء وصفهم لذاتهم. فكل طفل - على الاطلاق - يتعرض لدرجة ما من التناقض، بين ما يريد أن يكون وبين ما يظن بنفسه، وكلما كان هذا التناقض أو هذه الفجوة بين ما هو عليه وما يريد أن يكون ضيقة كان تقديره لذاته مرتفعاً، وكلما فشل في التقدم بحياته نحو تحقيق أهدافه وقيمه سيكون احترامه لذاته أقل، لذلك كانت مشاعر الدعم والمساندة التي يلمسها الطفل من والديه، والناس المحيطين به - ترتفع بنسبة تقييميه لذاته. من هنا كان علينا جميعاً، في البيت والمدرسة والشارع وفي حراكنا الاجتماعي بكافة أشكاله أن نأخذ بعين الاعتبار والمسؤولية وجود الأطفال، وحقهم في الوجود أيضاً، وإلاّ فإن الصيحة التي أطلقها د. هادي نعمان الهيتي في مقدمة كتابه: ثقافة الطفل " الاطفال ضحايانا " ستتحقق. ومردّ هذه الصيحة أننا عاجزون عن التعامل الصحيح مع أطفالنا!!
الأطفال والفن: تساعدُ الدراساتُ الحديثةُ المطبقةُ على الأداءِ المدرسيِّ والنموِّ النفسيِّ للأطفالِ؛ بل وتدعمُ القاعدةَ العلميةَ لتقدُّمِ الفنِّ؛ وتؤكِّدُ على أهميتِه في إثارة وحث خيال الطفل وإبداعه. وكنتيجةٍ لذلك يُعرف الآن بأنّ تطوُّرَ دماغِ الطفلِ ذو حساسيّةٍ عاليةٍ للفنِّ وأنشطته، ويمكن لهذه التأثيراتِ أن تستمرَّ إلى فتراتٍ طويلةٍ. كما أظهرت البحوث أن ملياراتٍ من نقاطِ الالتقاءِ والتشابكِ تتطوّر بين الخلايا العصبيةِ خلال مرحلة الطفولة؛ وهذا يؤدي إلى خلق الأرضيّةِ وأدوات الاتصال والتواصل من أجل التعلُّمِ في المستقبلِ، وبالتالي فإذا ما تمَّ تجاهلُ الفنِّ أو كبحه في مرحلةِ الطفولةِ فإنّ ذلك يؤدي إلى فقدانِ فرصةٍ نادرةٍ وفريدة.
عمليَّةُ تطويرِ الفنِّ: يتفق ويجمعُ خبراءُ فنِّ الطفلِ على أن طبيعةَ الطفلِ وبيئتَه؛ وحتى العملياتِ المعرفيَّةَ المتعَلَّمَةَ؛ يمكن أن تؤثرَ على النمو بشكلٍ أفضلَ إن كانت ضمن فترةٍ قصيرةٍ أو طويلةٍ من حياةِ الطفلِ. ويعتقدُ بعض الخبراء أن الموهبةَ والتجربة المبكِّرةَ يتَّحدان سويّةً ليشكلا شخصيّة الطفل منذ الصغر، وذلك بالطرق والوسائل التي تبقى مستقرةً خلال فترةٍ طويلةٍ من الحياةِ، بينما يَعتقِدُ الآخرون أنه يمكن أن تتداخلَ تأثيراتٌ بيولوجيّةٌ وثقافيةٌ خلال نمو الطفلِ لتؤثر على شخصيّتِه وثقافتِه وعملياته المعرفيّةِ، ولذلك يحتفظُ الإنسانُ بإمكانيةِ تغييرِ مسار تطوره. ويقول هؤلاء الخبراءُ: إنّ الإنسانَ ليس نتاجَ المجتمع، بل هو مشارك نشيطٌ في مجتمعه، ولذلك فإنّ كلَّ مظاهر السلوك الاجتماعيِّ والنموِّ؛ تنتج من تفاعلٍ بين الصفات الشخصيّةِ، وخبرة الفرد الاجتماعية. النمو - حقيقةً - هو عمليّةٌ ديناميكيةٌ نشيطةٌ، ولنكن أكثرَ تحديداً: هو تفاعل عدة عملياتٍ، لأنّ النموَّ يحدثُ في عدّةِ مجالاتٍ وفي آنٍ واحدٍ: نموٌ جسديٌّ وفكريٌّ وعاطفيٌّ واجتماعيٌّ. وتنطبق هذه القاعدةُ على التطوُّرِ النفسيِّ أيضاً كما في التطورِ البيولوجيِّ. وبالرغمِ من اختلافِ أشكالِ النموِّ؛ ومع أن النموِّ يأخذُ أحياناً شكلَ طفرةٍ هائلةٍ؛ فهو متواليةٌ تتقدّمُ صعوداً نحو الأمام، فالأطفالُ ليسوا بالغينَ صغاراً، وهذه التَّغَيُّراتُ التي تحدثُ ضمن هذه المتواليةِ هي التي تنقلُ الطفلَ إلى مرحلة البلوغ "تُحوِّلُ الطفلَ إلى بالغٍ راشدٍ".
ما هو الإبداعُ: عُرِّفَ الإبداعُ بأنه: ترتيبُ الحقائقِ والموادِّ والأشكالِ السابقةِ وفقَ نظامٍ وترتيبٍ جديدَيْنِ عبر النشاطِ التصويريِّ العاطفيِّ للعقل. وجوهرُ الإبداعِ هو إيجادُ شيءٍ جديدٍ واستخدامُه بطريقةٍ جديدةٍ، إذ أنّ الفنَّ يعرضُ فرصةً استثنائيَّةً؛ فرصةً ممتعةً وقيِّمةً للتعبيرِ عن الخيال والوهمِ والعواطفِ عن طريق الإبداع. إن القلقَ والرغبةَ في الإبداعِ مسألةٌ عامةٌ ورغبةٌ عامّةٌ أيضاً؛ فخلال السنواتِ التي تسبقُ سن المدرسةِ تبدو هذه الرغبةُ ملحَّةً، وروحُ الخلقِ والإبداعِ الملازمةُ لكلِّ طفلٍ تحتاجُ للتشجيعِ كي تبقى مستمرةً على قيدِ الحياة. .. تعكس رسوماتُ الأطفالِ في سنِّ السابعة والثامنةِ واقعيّةً تجعلُ فكرتَهُ تنتشرُ وتجعلُهُ مِثْلَنا جميعاً، تنقصُه التلقائيَّةُ والخيالُ والإبداعُ، إلا إذا أدرك الخطرَ وأنجزَ شيئاً ليتحقق من عمله وعلى الرغم من أن رؤى الأطفالِ مباشرةٌ وفطريّةٌ وشخصيّةٌ؛ غير أن أعمالَهم أثناءَ سنواتِ ما قبلَ الدراسةِ تكونُ خلاّقةً ومبدعةً، لأنّ الرؤيةَ البصريةَ لهذه الرسوماتِ ناتجةٌ عن المصادفةِ، وليس عن مقدرةٍ تقنيَّةٍ. ولسوءِ الحظِّ؛ مع نهاية السنةِ السابعة أو الثامنةِ - والتي تعتبرُ سنواتٍ ساحرةً من عمرِ فنِّ الطفلِ - يفقِدُ معظمُ الأطفالِ تلقائيَّتَهم وإبداعَهم الفنيَّ. وغالباً ما يحدثُ هذا بسبب التغييراتِ الجوهريَّةَ التي تطرأُ على أهدافِ الطفلِ وتَوَجُهِهِ. فتعود اللغة المنطوقة " الكلمات " لتأخذ مكانها كوسيلةٍ للتعبيرِ عن الذاتِ، ولإنتاجِ ما يرونه تماماً وما يلاحظونه. وهنا يمكن ضبطُ إبداعِ الأطفالِ بواسطةِ نظامٍ تربويٍّ يشجِّعُ التقليدَ والتعليمَ بدلاً من التلقائيةِ والتعبير الخياليِّ، إذ ليس كافياً أن تعرض لهم الفنَّ الجيِّدَ؛ بل عليهم أن يبدعوا الفنَّ إذا ما أرادوا أن يستفيدوا. وفقاً لهذا البحثِ؛ يُعتَقَدُ أنّ مرحلة ما بين الثامنةَ والثانية عشرةَ تُعتبَرُ سنّاً حرجةً من مرحلة النموِّ، ويقول بعضُ الخبراءِ في هذا المجالِ إنَّ كثيراً من حالاتِ الإبداعِ تبدأ بالانحدارِ والانخفاضِ مع العمر، ويزدادُ الطفل واقعيّةً من عمرِ الثامنة حتى الثانية عشرةَ، ويغدو عمليّاً، ويزدادُ تركيزه على كيفيةِ تقويمِ العمل مِن قِبَلِ مَن هم في سِنِّهِ ومن قبل البالغين. ومن الأهميّةِ بمكانٍ أن يحتفظ الطفلُ بشيءٍ من تلقائيتِه وتعبيرِه الخياليِّ لسنواتِ طفولته الباكرة.
أهميّةُ فنِّ الطفلِ: يمكن للفنِّ أن يلعب دوراً فعّالاً من خلال المساهمة بحياة الطفل العاطفية والاجتماعية والفكرية، ويمكن للفنِّ أن يستكملَ ما يقوله الكلامُ، إن لم يتفوق عليه كوسيلةٍ للتواصل. يتفق أخصائيو فنِّ الطفلِ على أن الفنَّ البصريَّ يكتسب أهميته بسبب قدرته الفريدة على تقديمِ المضمون بشكلٍ مباشر ومفاجئٍ، فعلى سبيل المثالِ: في اللوحة يُقدَّم الموضوعُ واللون والعلاقاتُ والتكوين للمشاهد في أنٍ واحدٍ، وعبر العمل الفني يكشف لنا الأطفال عن معضلاتهم ومواقفهم التي تعكس بدورها قيمَهم وقيمَ مجتمعاتِهمْ. إذ يمكن للفن أن يكون عالمياً، ويمكن أن يكون مبدأً موحَّداً؛ فكل طفل بإمكانه أن يلاحظ أي مادةٍ أو موضوعٍ بطريقته الخاصة، وربما يعبِّرُ عنها بشكلٍ فنيٍّ، ولكن عندما تُعرَضُ الأعمال الفنيةُ فإنها تتجاوز اللغةَ التي يعرفها الفنان ويتكلمُها؛ بل تتجاوزَ وعيَه وعمرَه وجنسيته وعقيدتَه.. فيمكن لعالميةِ الفنِّ أن تجمعَ بين الأطفال البالغين ضمن احتفالية الإبداع.. وخيالية الإنسان وروحه البشرية. إن الحياة الفنية الغنية تزداد اليوم أهمية، لأن الأطفال يتأثرون بالتقنية العالمية للصورة والمؤثرات الخاصة التي تُعرض في التلفزيون وعلى مواقع الإنترنت، ومع الأفلام السينمائية وألعاب الكمبيوتر. ففي هذا العرض المتسارع والمتطور؛ غالباً ما يكون الأطفالُ قلقين وغير دقيقين بتقييمهم وقبولهم لإبداعهم وخيالهم الشخصي. وقد لاحظ الخبراءِ أن تعلُّمَ الطفلِ الرسمَ هو تعلُّمه كيف يرى. هذه الملاحظة التي أشار إليها عدة خبراء في هذا المجالِ تكشف مدى أهميّةِ فنِّ الطفلِ. 1 - لفنِّ الطفل القدرةُ على تحسينِ الأداء الأكاديمي، وذلك بإغراء الطفلِ كي يتعلم، لأنَّ الثقة والمعرفة اللتَيْنِ تحققتا في الفن؛ تنعكسان في موادَّ ومواضعَ أخرى. 2 - يقود فن الطفل إلى عادات عملٍ جيد؛ لأنّ الرسم والتلوين يستلزمان التركيز والالتزام، ويعوِّدان النفس على الانضباط الذاتي. 3 - يستلزم فن الطفل اكتشافاً إبداعياً وتجربةً ذاتيةً، لأن الطلابَ يتعلمون كيف يقدمون مشاكلهم ويتعاملون معها بطرقٍ عديدةٍ. 4 - يتيح فن الطفل للبالغين معرفةَ كيفيةِ نمو الأطفالِ فكرياً وعاطفياً. 5 - يساعد الفنُ الأطفالَ على فهم ثقافتهم الخاصة والثقافات الأخرى. 6 - يجعل الفنُّ أوقاتَ الفراغِ ممتعةً ومفيدةً للأطفالِ.
فن الطفل وفن البالغ: لا يغري فن الطفل البارزين من الفنانين فقط؛ ولكنه كان ملهماً لكثيرٍ من أساتذة الفن العظام. .. يعود الاهتمام بفن الطفل إلى الحركة الرومانسية حين اعتبرت سذاجة الطفل إبداعاً وخلقاً عبقرياً؛ كون الطفلِ قادراً على رؤية الحقيقة والتعبير عنها. وقد حاول الكثيرون من أساتذة الفن مقاربة ومماثلة موضوعية الطفل، وذلك من خلال الوعي الفطري عند الطفل، ومن خلال معرفته غير الواعية وإبداعه الغريب، وبساطة الشكل لديه. منذ بداية القرن العشرين؛ وحتى بداية الحرب العالمية الأولى؛ كانت فنون الأطفال تُعرَضُ في مراكز الفن المهمةِ في كلِّ أنحاء أوربة سنوياً، ولقد أقرَّ كثيرٌ من الرسامين المشهورين بتأثرهم بفن الأطفال، وتأثيره على أعمالهم علانيةً، وكذلك يقرُّ أساتذة الفن المعاصرون بإعجابهم بهذا الفن وانجذابهم إليه. فقد لاحظ البروفيسور جوناثان فينبيرج أن كثيرين من الفنانين الكبار والبارزين قد اهتموا بفن الأطفال، وذلك من خلال جمع لوحات الأطفال وعرضها.. والأكثر أهميةً من ذلك تبني أشكالٍ معينة من هذه الرسومات كنماذجَ رسميةٍ. ومن هؤلاء الفنانين بيكاسو، بول كيلي، جوان ميرو.. ومنذ الستينيات أخذ عدد هؤلاء الفنانين يزداد بدءاً من جاسبر جونز إلى جوناثان يور فسكاي ومن جوزيف بييس إلى جان ميشيل باسكوان .. هؤلاء تحولوا إلى نماذجَ وأشكالٍ طفوليةٍ؛ كطريقة للتعبيرِ عن العالم بفاعلية أكثر، ومن الواضح أن كثيراً من الفنانين المعاصرين يبحثون عن تجربةٍ معاصرةٍ تكون أكثر غنىً وأصالةً، وذلك عبر الالتقاء مع عين الطفل البريئةِ. من الواضح إذاً أن الأنشطة التي تدعم تطور فن الأطفال؛ تساهم وتسساعد في فن الكبار, ومن خلال الأهتمام بفن الصغار يمكن للكبار أن يركزوا على أصول عقله المبدع.. فحداثة اللقطة البصرية الطفلية يمكن أن تنعش وتنشط حياة البالغين الإبداعية وتدعم أساليبهم.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon