هل نحن بحاجة لرقابة مسبقة على الأدب والفنّ؟!

خاص: نساء سورية

بداية اسمحوا لي أن أعتذر على الإيجاز.. فالموضوع يحتاج للكثير الكثير.. نأمل بكم لاغنائه..
نحن بحالة حرب مع عدوٍّ شرس...
نحتاج توحيد الكلمة والخطاب لنصل موقع المواجهة الحقيقي..
يجب أن يكون الخطاب الثقافي مسخر لخدمة الوطن وقضاياه..
يمكننا الكلام مطوّلاً.. لكن بما سبق فقط يمكننا تبرير وجود رقابة على مسبقة على الأدب والفن!..
من حيث النظرية.. كلام عظيم ونتيجة منطقية.. لكن من حيث الواقع والتطبيق فلا تجري الرياح بما يشتهي السّفن؟!.. ملاحظة: السّفن كناية للربان أو "السفّان"..
فعديد هذه اللجان أشخاص طبيعيين وفي أحسن الأحوال سيفرضون خطابهم الثقافي على مجموع المجتمع الذي يكوّن أوّل وأقوى ركائز الوطن.. وبالمطلق لا يمكن معرفة الوطن خارج هذا الرباط المعنوي بين المواطن الذي هو جزء من كلّ، وبين هذا السامي المعنوي "الوطن".. ومتى فقد هذا الرابط المعنوي المبني على حالة معنوية لن تعود هذه المواطنية المعنوية لا برباط مادي كالأرض وما شابهها، ولا برباط آخر.. فكيف لنا أن نفرض آراء بعض الأشخاص على عديد مجتمع يعدّ بالملايين!!..
لنتكلّم واقع:
يقولون عجائب الدنيا سبع ومستحيلاتها ثلاثة.. لكننا ضربنا عرض الحائط عجائبها ومستحيلاتها.. هل يعقل أن يكون من حقّ شخص طبيعي واحد أوحد (مثل مدير المسارح والموسيقى) تحديد ما هي المسرحيات التي تعرض وما لا يعرض على مساحة القطر!!!...
هل بعد هذه عجيبة؟؟!!.. نظرياً يقولون لديه لجنه.. لكنّ الواقع غير ذلك (واللي بيعرف بيعرف والمابيعرف بيقول كف عدس)..
ألا يوجد بسورية هذا الوطن العملاق إلاّ الأستاذ الأديب (رئيس اتحاد الكتاب)؟؟!!..
ألا يوجد بسورية هذا الوطن الكبير بأهله إلاّ الأستاذ الصحفي (رئيس اتحاد الصحفيين)؟؟!!..
ألا يوجد ألا يوجد!؟..
عملياً النتيجة واحدة.. حتى لو استبدلنا كلّ ليلة موظّف بآخر.. ما دام هذا الموظّف يستطيع أن يطيّع نصوص القانون ليفرض خطابه الثقافي في كلّ وقت.. فالرقابة المسبقة تمنحه الحق بمنح الموافقات ومنعها متى شاء ولا حسيب ولا رقيب عليه.. بل أكثر من ذلك.. في أكثر الأحيان لا تعرف، وممنوع أن تعرف من هو الرقيب الثقافي الذي منع مخطوطك من الطباعة، أو عملك الأدبي من الظهور للعلن مهما كان نوعه، والحجّة بذلك عدم الاحتكاك مع الرقيب وبالتالي عدم الوصول "لرشوته".. تصوّروا أدباء يكتبون أرواحهم بمداد الحبر على أوراق حياتهم يمنعون من مناقشة الرقيب الثقافي فيما ذهب إليه بحجة أبعد ما يمكن أن يفكّر بها هذا الأديب بل هي أبعد من استطاعته.. وموضوع الرشوة هذا بات معلوماً وواضحاً فمعظم الموافقات تستلزم بدل نقدي وبالتالي أمست أكثر مخطوطاتنا المطبوعة نتيجة بدل مادي مدفوع.. فتصوروا نوع الثقافة التي نورّث!!.
هذا كلّه إذا سلمنا بأن هذا الرقيب الثقافي هو"مثقّف"!!..
والواقع يؤكّد أن أكثر الكتاب والأدباء والفنانين.. هم على درجة أعلى مستوى وفي بعض الأحيان لا تجوز المقارنة بين رقيب ثقافي وكاتب.. ويبقى يحتاج هذا الكاتب لموافقة هذا الرقيب على طباعة مخطوطة ربّما لم يفهم منها هذا الرقيب إلاّ حروف الجرّ دون معرفته لحروف العلّة لأنها تستلزم أحياناً معرفة كنه العلاقة بين المعلول والمعلول لأجله.
إذاً، نضع ما يلي بين أيديكم:
ماذا تنتج الرقابة المسبقة!؟..
-    عدّة لجان تتحكّم بثقافة مجتمع.. والثقافة ينتجها المجتمع بمجموعه لا من خلال عدّة أشخاص!..
-    اختراق هذه اللجان (ولا نتهم أحد لكننا نبين الممكن) اختراقهم وغزوهم أسهل ملايين المرّات من اختراق وغزو مجتمع بمجموعه لو تركت لـه الكلمة الفصل في هذا المضمار..
-    لم تثبت هذه اللجان حتى الآن.. نتيجة ثقافية يمكنها الاستناد إليها لتبرير استمرار متابعتها.
-    معظم عناصر هذه اللجان تعطي موافقاتها بناء على المحسوبيات ومصالها الشخصية.
-    في نفس الوقت معظم عناصر هذه اللجان تمنع على البعض بناء على مواقف شخصية (ويمكننا القول هنا.. أنّه في بعض الأحيان تكون الممانعات مبنية على موضوعية تبنى على نوعية الممنوع من حيث أنه مبدع اكثر من آخر يريدون تمريره).
-    ألا تعتقدون معي أنّ كلّ من يقول أن الفساد لا يطال أعضاء لجان الرقابة المسبقة.. لا يكون عاقلاً..
-    الشللية.. نعم الشللية تظهر واضحة للعيان بين عناصر تلك اللجان وبين عديد مريديهم.
-    المشكلة الكبرى أنّهم يضحكون وهم يحسبون أنهم يضحكون منّا.. لكنهم يضحكون من مجتمع أمّن لهم كلّ القوانين التي تمكنّهم الاستهزاء منّا ومن هذا الوطن. وسيستمرون بذلك ما داموا يتمترسون وراء كراسيهم ويتكلّمون باسمها..
-    في كلّ الأحوال وعندما يستطيع صاحب المال أن يشتري موافقة لجان الرقابة (وبالمطلق عناصر لجان الرقابة ليسوا سوى موظفين ولسنا بحاجة لنخوض في شتاء غمامة الفساد فوق رؤوسهم) في هذه الحالة ستُفرض ثقافة صاحب المال على المجتمع لا حامل الفكر المبدع.. وبالتالي سيفرز المجتمع منظومة ثقافية مترابطة تعنى بمصالح هؤلاء فقط.. كثقافة المحمول، والتلفزيونات المدششه، وع الباب يا شباب، وبرامج المسابقات التي تغطّي برامجنا دون عناية بالجواب بل العناية تعتمد على كم الاتصالات الهائل الذي يدرّ المبالغ الجمّة لأصحاب هذه الثقافة.. و و و.. مثل هذه البرامج الذي أمست تغطّي كل وسائل التوعية والإعلام، والغاية تحويل هذا البني آدم المسمّى"مواطن" إلى أداة تستهلك وتُستهلك دون وعي.
هل ينكر أحد بأن فروع نقابات الفنانين في المحافظات قد تحوّلت لمكاتب تشغيل (رقاصّات) وأمثالهم. هذه هي الثقافة التي يريدون أن نعتمدها ولا نرى غيرها.
-    بعد تجربة طويلة مع لجان الرقابة المسبقة.. أولاً يجب القول والاعتراف في نفس الوقت بأن ما يوجد على أرض الواقع من مستوى ثقافي أدبي وفني يتناسب ومستوى هذه اللجان.. وبنظرة للواقع يمكننا وببساطة ودون تحليل تبيان ماهيّة الثقافة الأدبية والفنية التي وصلناها.. ليشيدوا بها لو شاؤوا (المياه تكذّب الغطّاس). على مدى عقود تجد هذه اللجان تحارب أيّ إبداع فوق مستواهم الفكري ببعض الكلمات (هبوط- تجنّي- نشكّك بكذا.. دون المستوى المطلوب.. .. الخ الخ) والواقع يؤكّد إنتاج ثقافة مقزّمة لا يستطيع أحد النكران بأنها من نتاجهم.. وهكذا لا نجد أمامنا سوى أن نسأل:
-    إذا كانت عنايتكم الثقافية الراقية والمبدعة وذات المستوى العالي (كما تحبّون وصفها) وعلى مدى عقود.. قد أنتجت ما لدينا من ثقافة قزمة رديئة (أوّد أن أصفها بالهابطة.. لكنها كلمتكم التي تحاربون بها كلّ إبداع).. اتركونا لنجرّب هذا الذي تصفونه هابطاً.. (هيك هيك.. هيِّ هيِّ).
-    الواضح أيها السادة ان هذه اللجان (لا تستحي).. فهم يتابعون في التقييم المسبق وبنفس الوقت يعترفون بهبوط وتدني المستوى الثقافي الفني والأدبي (وهو نتيجة ما جنت أيديهم).
وبالمناسبة أيها السادة منذ سنتين كنا نحضر أمسية ثقافية في فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس وكان (د.؟) يلقي محاضرة عن حرية الفكر!.. ساعتان أتحفنا بهما الدكتور المحاضر مبيّناً وقوفه وبإصرار إلى جانب حرية الفكر والأدب والفن‘ ولشدّة وقوفه ومناصرته لهذه الحرية لم ينسَ أن ينوّه أنه حتى ليس ضدّ (سلمان رشدي في آيات شيطانية).. الجميع أعجبوا بالمحاضرة وأكدّوا ذلك أثناء توجيه الأسئلة وكنت من عديد هؤلاء المعجبين والسائلين.. أبديت إعجابي وسألته:
كيف تأسرنا ساعتين في ترويج أفكارك ومناصرتك لحرية الأدب والفكر والفن وفي نفس الوقت تقبل على نفسك أن تكون عضو لجنة رقابة نصوص في اتحاد الكتاب العرب!!؟؟..
صدقاً في البداية لم يبيّن أنّه علم موضع السؤال.. لكن وبعد تدخل البعض قال: وما علاقة هذا بذاك!!..
والغريب أيّها السادة أنه و زملائه في تلك اللجان وحتى الساعة لم يفهموا العلاقة بين هذا وذاك!!..؟؟..!!..
فهؤلاء هم أعضاء لجان رقابتنا المسبقة. أغلبهم مثقفون بهذا المبدأ (إفعل ما لا تقول) وأبسط مقوّمات المثقّف أن يفعل ويعمل ما يعرف فالوعاء المعرفي لوحده دون تطبيق محتوياته في الممارسة الميدانية تمكننا من نعت صاحبها بصفات عديدة أولها الكذب.. وآخرها.. كنت سأقول الغباء.. لكنهم ليسوا أغبياء في تأمين مصالحهم وتأمين متابعة استمرارهم عبئاً على الثقافة والمثقفين..
 
-    ليكن موضوعنا القادم (بديل لجان الرقابة المسبقة)

6/8/2005
  

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon